الثورة – عبد الحميد غانم:
التنظيم الإرهابي “داعش” الذي ولد من الخاصرة الرخوة في كل منطقة تحاول الولايات المتحدة الأميركية من خلالها الإبقاء على التوتر وخلق المشكلات والاستفادة من تداعيات الحروب عندما تتأزم سياساتها وتقع إدارتها في المطبات وخاصة عندما تكون مقبلة على انتخابات جديدة.
عندما يتكرر الحديث مجدداً عن ظهور أو عودة هذا التنظيم الإرهابي الذي يختفي أحياناً، ويظهر أحياناً أخرى.. فإننا أمام تطورات خطيرة جديدة تنتظرها المنطقة.
هي عودة تنظيم “داعش” الإرهابي.. ذلك التنظيم الذي ليس له زمان محدد للظهور، ولا حتى مكان محدد يخرج منه، تراه مرة في منطقتنا، وأخرى في أفريقيا، وثالثة في آسيا.. وهكذا دواليك.
هذا التنظيم الإرهابي يمتلك أسلحة متطورة حديثاً، ويحصل عليها دون أن يعلم أحد كيف تركت له حتى يسهل له الوصول إليها.
ورغم السجون المعقدة التي وضع بها عناصره ومرتزقة، نراهم يهربون، كما يهرب المعتقلون الخطيرون في أفلام هوليود بذكاء وخطط جهنمية.
قبل أيام بدأ الحديث عن عودة تنظيم داعش إلى الظهور في المنطقة، وهو ما يتزامن مع ذروة عمليات المقاومة العراقية ضد القواعد الأمريكية في العراق وسورية، ومع تزايد عدم الاستقرار الإقليمي الناجم عن تداعيات العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة وردود الفعل الدولية التي أحدثت هزة كبيرة لدى أميركا وكيان العدو، وتزامن ذلك أيضاً مع خفوت وتراجع السياسة الأميركية في المنطقة.
فبعد مرور أكثر من ست سنوات على إعلان النصر على التنظيم الإرهابي في العراق، تشير تقارير المخابرات العراقية الآن إلى أن الآلاف من إرهابيي داعش فروا دون أن يصابوا بأذى، تحت حماية القوات الأمريكية في منطقتين غرب العراق.
يا ترى كيف فروا وكيف عادوا ومن أين يأتون بالسلاح والتمويل؟.
تؤكد حوادث عدة على تورط الولايات المتحدة في تأمين طرق العبور لعناصر “داعش” لاسيما التي تتواجد فيها قوات الاحتلال الأمريكية من سورية إلى العراق، وأن السياسة الخارجية الأميركية مليئة بالأدلة التاريخية التي تشير إلى تورط الإدارات الأميركية طيلة العقد الماضي على إنشاء ميليشيات مسلحة بالوكالة في المنطقة وفي بقاع مختلفة من العالم، مثل “داعش” وغيرها، وكثيراً ما تستخدم هذه الميليشيات للإطاحة بحكومات البلدان المستهدفة.
وكلنا يعلم أن واشنطن لن ولا تتردد في التحالف مع المتطرفين والإرهابيين، ويرجع ذلك أساساً إلى تورطها المباشر في تسليح وتمويل تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الإرهابية التي انتشرت في دول المنطقة المستهدفة.
تظهر تلك الأحداث في العالم بوضوح علاقة قديمة بين الولايات المتحدة وتنظيم “داعش” الإرهابي، فقد كان مؤسسو وقادة ذلك التنظيم الإرهابي في سجون يديرها الجيش الأمريكي.
قائمة أخطر الإرهابيين الذين أسرهم الأمريكيون ثم أطلق سراحهم هي قائمة غير عادية للغاية، من بينهم أبو بكر البغدادي زعيم “داعش”.
كما قامت القوات الأمريكية بحماية التنظيم الإرهابي بشكل غير مباشر، من خلال السماح لقوافل داعش بالتنقل بين المدن التي كانت تحت سيطرتها آنذاك، وتشمل أشكال الحماية الأخرى، رفض تنفيذ أحكام الإعدام التي أصدرتها المحاكم بحق عناصر داعش المعتقلين، وإنشاء ملاذات آمنة لعناصر التنظيم الإرهابي في المنطقة والعالم.
الشيء الخطير الذي يدل على عودة هذا التنظيم تصاعد وارتفاع عدد العمليات الإرهابية في دول المنطقة لاسيما في سورية ولبنان والعراق وإيران واليمن، والدول التي لها معركة استراتيجية في الصراع مع الكيان الإسرائيلي، أي مع دول محور المقاومة، أي الدول الأساسية الداعمة للمقاومة الفلسطينية، والتي يمكن أن تتحول إلى حرب مفتوحة في أي لحظة مع كيان العدو.
وهو ما لمسناه في استهداف الإسرائيلي الإرهابي في مدينة دمشق وقبلها في لبنان والعراق وإيران وضرب اليمن الشقيق، هذه التفجيرات والاستهدافات والاعتداءات التي تتكرر كثيراً في ضوء ما يجري من تداعيات عالمية تجاه العدوان الإسرائيلي الوحشي وجرائمه في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس.
ففي 4 كانون الثاني، أعلن تنظيم داعش رسمياً مسؤوليته عن تفجيرين في مدينة كرمان الإيرانية، وأدى الانفجاران إلى مقتل حوالي 90 شخصاً وإصابة العشرات، بعد يوم واحد فقط من استهداف الكيان الإسرائيلي أحد قياديي المقاومة الفلسطينية، صالح العاروري، في بيروت.
وسبق أن هاجم تنظيم داعش، في 5 تشرين الأول 2023، بطائرة مسيرة حفل تخريج ضباط في الكلية العسكرية بمدينة حمص، ما أسفر عن مقتل نحو 100 شخص.
وتشير هذه الهجمات، إضافة إلى هجمات أخرى حصلت في العراق وسورية وإيران وأفغانستان وأفريقيا، إلى أن المخططات الأميركية والغربية والصهيونية بحاجة إلى دماء جديدة وأموال وأسلحة تضخ مرة أخرى في شرايين تنظيم “داعش” الإرهابي الذي يولد من الخاصرة الرخوة مجدداً.
يتزامن ذلك مع الحديث عن رحيل القوات الأميركية من المنطقة، ومع مطالبة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني برحيل هذه القوات، بعد أربع سنوات من تصويت البرلمان العراقي لأول مرة على طرد القوات الأجنبية، في الوقت الذي أعلنت فيه واشنطن مجدداً أنها سترسل 1500 جندي إضافي إلى العراق وسورية، بشكل غير قانوني ودون موافقة هذين البلدين.
المفارقة أن إطلاق الحديث مجدداً عن تنظيم “داعش” يتزامن مع حديث الإدارة الأميركية عن مخطط جديد يستهدف المنطقة لطي أي فكرة لسحب جيشها من المنطقة أو أي كلام عن أن واشنطن بدأت تفقد قبضتها.