مساء أمس جمعتني ندوة بالمركز الثقافي العربي بدمشق (أبو رمانة) مع الصديقين عمر جمعة وأحمد هلال لنتحدث مجتمعين في عنوان :(الأدب والفن.. والقضية الفلسطينية).
كيف قدّم الأدب الفلسطيني- وخاصة الرواية- قضية الشعب الفلسطيني في جانبيها الوطني والاجتماعي؟ هذا السؤال – مع اتساع الإجابة عليه – هو أول ما حاولت الندوة الإجابة عنه في الحيز الضيق المتاح، حيث أشار المنتدون إلى أن كلّ عنوان تفصيلي ضمن العنوان الأساسي للندوة يحتاج إلى مساحة زمنية واسعة. وللسبب ذاته اقتصر الحديث عن الفن في التجارب التشكيلية الفلسطينية والسورية، وتكاملها في ثلاثة مواضيع أساسية: معاناة الشعب الفلسطينية من العدوان الصهيوني والتهجيرالقسري الذي تعرض له، ومقاومته المستمرة لهذا العدوان، وحرص الفن الفلسطيني على حفظ التراث والهوية الفلسطينية، بإبقاء صورالعمارة والثياب الفلسطينية حاضرة في الذاكرة الجمعية.
التكامل المشار إليه بين التشكيليين السوريين والفلسطينيين ظهر جلياً في أعمال: محمود جلال وميشيل كرشة ومحمود حماد ولؤي كيالي وفاتح المدرس ونذير نبعه وبرهان كركوتلي ومروان قصاب باشي وسواهم. كما ظهر في أعمال الفنانين الفلسطينيين الذين أقاموا في سورية أمثال: إبراهيم هزيمة ومصطفى الحلاج ومحمد الوهيبي وعبد الحي مسلم ومحمد أبو صلاح ومحمد الركوعي وغيرهم..
كما لفلسطين حضورواسع في التجارب التشكيلية السورية، لها مثله في السينما والدراما التلفزيونية السورية، ففي السينما تمتلك فلسطين أرشيفاً سينمائياً بالغ الأهمية أنتج في سورية بواسطة كتّاب ومخرجين وفنانين وفنيين سوريين، وفلسطينيين مقيمين في سورية، وعرب من مصر ولبنان والعراق وسواها. وبالاعتماد أساساً على نصوص كتّاب فلسطينيين خارج سورية، وخاصة نصوص الشهيد غسان كنفاني.
أهمية الأرشيف السينمائي الفلسطيني (المنتج في سورية) لا تتعلق بالأرقام فحسب، وإنما بالنوعية أولاً: فهذه الأفلام تمتلك حرية رحبة في تقديم مقولاتها، ومن جهة ثانية :قدمت السينما السورية أهم الأفلام الفلسطينية (لجهة الجودة) وأكثرها ملامسة لقضية الشعب الفلسطيني، كثلاثية (رجال تحت الشمس) التي ضمت ثلاثة أفلام عن المقاومة الفلسطينية: (المخاض) لنبيل المالح و(اللقاء) لمروان المؤذن و(الميلاد) لمحمد شاهين. وفيلم (السكين) لمخرجه خالد حمادة عن رواية (ما تبقى لكم) للشهيد غسان كنفاني، وفيلم (المخدوعون) للمخرج المصري توفيق صالح، عن رواية (رجال في الشمس )للشهيد غسان كنفاني أيضاً، وقد اعتبر من بين أهم مئة فيلم في تاريخ السينما العربية.وفيلم (كفر قاسم) من تأليف وإخراج اللبناني برهان علوية. وفيلم (الأبطال يولدون مرتين) عن قصة (سرّ البري) لعلي الزين العابدين الحسيني وإخراج صلاح دهني، والفيلم السوري- الإيراني (المتبقي) للمخرج الإيراني سيف الله أداد عن رواية الشهيد كنفاني أيضاً (عائد إلى حيفا).
أما في الدراما التلفزيونية فقد ظهرت فلسطين في كلّ الأعمال التلفزيونية التاريخية السورية المعاصرة، حتى لو لم يكن موضوعها القضية الفلسطينية بشكل مباشر كما كان الأمر ،على سبيل المثال، في مسلسل (حمام القيشاني) والذي كان محوره الحياة الاجتماعية في مدينة دمشق خلال القرن الماضي.
فيما يمثل مسلسل (عز الدين القسام) واحداً من الأعمال الدرامية التلفزيونية السورية التي تناولت القضية الفلسطينية بشكل مباشر، من خلال قصة حقيقية بطلها الشيخ عز الدين قسام الذي قدّم من سورية إلى فلسطين ليقود بعد ذلك أولى حركات المقاومة ضد العصابات الصهيونية، وقوات الانتداب البريطاني التي كانت تقدّم الدعم القوي لها. وقد شجع الشيخ عز الدين القسام المواطنين الفلسطينيين على التصدي للمؤامرات الصهيونية والبريطانية، وقاد بنفسه الكثير من العمليات إلى أن استشهد في إحدى المعارك عام 1935. وعن رواية الشهيد غسان كنفاني (عائد إلى حيفا)، وبالاسم ذاته، أنتج مسلسل يحكي قصة أسرة من حيفا أجليت قسراً عنها دون أن تتمكن من اصطحاب طفلها الرضيع الذي بقي في منزل أسرته لتتبناه بعد ذلك أسرة وافدة سطت على بيت أسرته. وعلى خلفية علاقات اجتماعية متبدلة يعرض مسلسل (التغريبة الفلسطينية) قضية الشعب الفلسطيني في مراحلها التاريخية وانعكاساتها الاجتماعية، مسلطاً عين الكاميرا على النضال الطويل الذي خاضه الشعب الفلسطيني ضد عدو يفوقه عدة وعدداً، وفي الآن ذاته في وجه واقع حياتي مريرتسببت به هجرته القسرية من بلده..
هذا الحضور الواضح للقضية الفلسطينية في الدراما التلفزيونية السورية، هو ترجمة إبداعية لحضورها في المجتمع السوري.. وفي ضمير الشعب السوري، الذي اعتبر على الدوام أن قضية فلسطين هي قضيته. فقدّم لها دمه وجهده وماله وأدبه وفنونه.