الثورة _ رويدة سليمان:
يعتقد كثير من الآباء أن الإبداع موهبة وعطاء رباني، ويحصرون مفهومه بالتميز والتفوق الدراسي، إلا أنهم يتصرفون بسلوكيات مع أبنائهم تؤدي إلى إعاقة قدراتهم الإبداعية، إذ تؤكد الدراسات النفسية والتربوية أن بداخل كلّ طفل صغير إنساناً مبدعاً، تقع مسؤولية اكتشافه على المربي الأول (الأسرة)، ومن ثم يأتي التدريب والممارسة وفنون اللعب المختلفة والتفاعل مع البيئة المحيطة لتطوير تلك المهارة.
تنميته في البيت
لنعد إلى طفولتنا ونتذكر كيف كنا نلعب بملاقط الغسيل وأدوات المطبخ وألعاب كثيرة (حزر فزر- الطائرات الورقية- الغميضة- المعجون والألوان) هذه الألعاب وغيرها من الأنشطة من سرد القصص والحكايات وألعاب الفك والتركيب والألعاب الحركية، والتي أغلبها غابت بحضور وتحدي الألعاب الالكترونية، ويجب على الآباء تفعيلها وتنشيط ذاكرتهم بشأنها، لأنها تساهم في تنمية الإبداع عند الأطفال بشرط السماح لهم باللعب على هواهم بمتعة وحرية خيال، وتقبل ما يفعلون، حتى لو بدا للآباء غير منطقي وعدم رفض الأفكار الغريبة الخارجة عن المألوف لأنها علامة من علامات الإبداع.
ويؤكد ذلك مختصون في الهيئة السورية لشؤون الأسرة واليونيسف ويضيفون.. إن التدخل في حياة الطفل والتفكير عنه، والتوقعات العالية منه والتركيز على النتيجة والإنجاز، وكذلك وصفهم أنهم مخربون عندما يكسرون أو يفككون الألعاب إشباعاً للفضول، هي ممارسات تربوية خاطئة تعيق الطاقات الإبداعية عند الطفل.
تشجيع الإبداع
التطوير الحاصل فيما يخص التفكير الابتكاري في مدارسنا مازال خجولاً، إذ لا يكفي تحديث المناهج وفق مفهوم التعليم والتعلم من أجل التفكير، بل لابدّ من إعداد معلم مبدع يجعل تلاميذه يفكرون بأنفسهم بدلاً من تزويدهم بالحلول الجاهزة، وقد نذهب أبعد من ذلك عند معلم مازال يعاقب طلابه بكتابة الدرس مرات عديدة، مما يعمل على قوقعة قدراتهم العقلية في حدودها الدنيا وبخاصة التذكر، وهذا ما يشتكي منه الطالب في الامتحان حيث تخونه ذاكرته في استرجاع المعلومة التي أصلاً حفظها قص لصق (الحفظ الأصم).
تركز الأساليب الحديثة في التعليم على الاستشكاف والاستمتاع وعلى ضبط وإدارة الصف، وهذا يتطلب إعداد معلم يطرح أسئلة تفسيرية ومشبعة ومفتوحة، وينتظر قليلاً بعد توجيه السؤال ولا يهزأ من مقترح ما ولا يصدر أحكاماً وآراء محبطة للتفكير والوقوف على وجهات النظر المتباينة، وخلق جو تنافسي بين الطلاب، وهذا أيضاً بدوره مشروط بوجود بيئة مدرسية مثيرة للتفكير الإبداعي (المناخ العام الديمقراطي- الغنى بمصادر التعلم- المعرفة هدف عام غير مرتبط بالعلامة وكوادر المدرسة تتمتع بالجرأة والقيادية والانفتاح).
من الضرورة والأهمية التنسيق بين الأسرة والمؤسسات التربوية الأخرى على الأسلوب التربوي الناجح لتنمية التفكير الابتكاري عند أبنائها، ولكن تبقى الحاضن الأساس للإبداع بتوفيرها أوقات للعب وأنشطة تحرض القدرات العقلية العليا من تفكير وتحليل ونقد واستنتاج ومشاركة الأبناء بمتعة ومتابعة من دون تأفف أو ملل أو تذمر من أسئلتهم، أو محاولة إسكاتهم، فالإبداع ليس له مجال واحد بل يشمل جميع مجالات الحياة، إذ يمكن أن يكون الإنسان مبدعاً في التعبير عن ذاته وإدارة علاقاته الاجتماعية.
بالعودة إلى المقدمة يقول ارنست همنغواي.. إن الإبداع يشكل ا% موهبة والباقي عمل ومثابرة، فالألم والمعاناة والبؤس جميعها تولد روح التحدي عند البعض، ومن ثم الإبداع وهي حال هذا الأديب العالمي.