الثورة – ترجمة رشا غانم:
في أقل من شهر، يحتفل الصينيون بمهرجان الربيع لعام 2024، العام الصيني الجديد 2024 هو عام التنين في دورة 12 عاماً، والتنين، وهو مخلوق افتراضي يعمل كطوطم قديم للأمة الصينية، يرمز إلى النبلاء والنبالة والإحسان والحكمة والحظ السعيد، ولكنه يختلف كثيراً عن التنانين في الثقافة الغربية، التي يكون مظهرها ورمزيتها عكس ذلك تماماً، فإذا كنت من محبي هاري بوتر أو لعبة العروش، فلابد أنك تخاف جداً من الوحش الجامح الذي ينفث النار بقوة هائلة.
وهذا الاختلاف هو نفسه الاختلاف بين صورة الصين التي تصورها بعض البلدان، وخاصة الولايات المتحدة، على أنها “وحش شرير له طموح دبلوماسي كبير”، وصورة الصين الواثقة والقوية التي تسعى إلى أن تكون كذلك، وللحصول على تصور صحيح للصين، قد يساعد التقييم السنوي لوزير الخارجية الصيني وانغ يي، إنها محطة مهمة لفهم طبيعة الدبلوماسية الصينية وأبرزها بشكل أفضل طوال عام 2023 ومعرفة ما هو “طموحها” الحقيقي.
أولا- الانفتاح والشمول مقابل التجمعات الاستبعادية
نتفق جميعا على أن عام 2023 كان متقلبا ومضطربا، ولا يزال الاقتصاد العالمي في مرحلة ما بعد الوباء ضعيفا ويواجه تحديات متعددة، ما يدفع جنوب الكرة الأرضية إلى التضخم المرتفع، والاستثمار غير الكافي، والاضطرابات الناجمة عن الإكراه الاقتصادي والممارسات غير العادلة لبعض البلدان، ولتمكين الأسواق الناشئة الواسعة والبلدان النامية ذات العولمة الأكثر انفتاحا وشمولا، عقدت الصين منتدى الحزام والطريق الثالث للتعاون الدولي، الذي جلب إلى بكين مندوبين يمثلون 151 بلدا و 41 منظمة دولية، وأصدر 458 وثيقة من وثائق التعاون الهامة و 97.2 بليون دولار، وبعد توقف الوباء، أصبحت بكين مرة أخرى مركزا لتعزيز الاتصال العالمي، وتم تحديث وتجديد مجموعة البريكس أيضا، فبعد التوسع الأخير، يمثل نادي بريكس للاقتصادات الناشئة الرئيسية الآن ما يقرب من نصف سكان العالم وأكثر من 30 تريليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي أو حوالي 29 في المائة من إجمالي العالم، والأهم من ذلك، أنه يوفر منصة أكبر للعالم النامي للدفاع عن مصالحه، والتعبير عن شواغله، وتنفيذ التعاون المربح للجميع، وعرض رؤيته لنظام دولي يتسم بالعدالة والإنصاف.
بدأت الولايات المتحدة، التي أثارت جزعها من الجنوب العالمي الناشئ، في تجميع الكتل الاستبعادية، والشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار (PGII) وممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) أحدث الأمثلة على ذلك، ومع ذلك، فإن مثل هذه المخططات الجيوسياسية هي في الأساس ” كلام فارغ وهراء”، فعلى الرغم من وعده بحشد مئات المليارات من رأس المال لتشغيل النمو العالمي، إلا أن “PGII”الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار ( لم تقدم أي استثمار للبلدان المشاركة ولم تقدم أي حلول فعالة للديون الثقيلة التي تشل بعض البلدان النامية).
ولقد تجاوز الناتو الموسع وغزوه في منطقة آسيا والمحيط الهادئ تفويض الناتو كمنظمة أمنية، بينما يدعي نفسه كحليف موثوق به ” ويقف جنبا إلى جنب مع البلدان التي تشارك الرؤية لعالم آمن”، كما وعد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في خطابه التقييمي في كانون الأول الماضي، فإن الولايات المتحدة تستعرض العضلات بالفعل من خلال إرسال القاذفات والمدمرات حول العالم إلى عتبات الدول الأخرى، وبالنظر إلى النفاق الأمريكي النموذجي لقول شيء آخر، فإن “إمبراطورية الدبلوماسية الأمريكية” تنهار أمام أعيننا.
ثانيا-الإنصاف والعدالة مقابل الدعم من جانب واحد
” عالمنا يعاني من عاصفة كاملة على عدد من الجبهات”، وما قاله الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في دافوس الشتاء الماضي يمكن أن يعكس حياة اليوم، كما في مواجهة قضايا النقاط الساخنة المتصاعدة، بما في ذلك الصراعات المتصاعدة في الشرق الأوسط والحرب المطولة في القارة الأوروبية، حيث تساهم الصين بأفكارها وحكمتها في معالجة هذه القضايا الشائكة، فقد توسطت في المصالحة التاريخية بين السعودية وإيران من خلال تسهيل استعادة علاقاتهما الدبلوماسية من خلال البيان الثلاثي المشترك غير المسبوق، وفيما يتعلق بغزة، تعمل الصين مع الدول العربية والإسلامية، بما في ذلك كرئيس دوري لمجلس الأمن لشهر تشرين الثاني، لحشد الدعم والإجراءات على المنصات المتعددة الأطراف من خلال قرارات الأمم المتحدة والمساعدات الإنسانية، كما تم إرسال المبعوثين الصينيين للعمل على الأرض وتعزيز محادثات السلام، ومد يد العون لشعب غزة في أكثر الأوقات خطورة.
وبالمقارنة، فإن الرواية الدبلوماسية الأمريكية تتمحور دائما حول “القوة” و “موقع القوة”و “القيم والمصالح الأمريكية”، وكذلك نمطها السلوكي، ومن “موقع القوة” هذا، تسيطر الولايات المتحدة على منافسيها، وتجبر المتداخلين وتضغط على حلفائها، فلقد ولت منذ فترة طويلة الحقبة التي اعتز فيها الأمريكيون بدبلوماسيتهم ولقب “المدينة الساطعة على التل”، فإذا كانت الولايات المتحدة لاتزال تنغمس في الهيمنة من خلال سؤالها للمرآة، “من هي أعظم قوة عظمى على الإطلاق”، فإن ممارستها للتنمر المتمثل في التحريض على النزاعات الإقليمية، وشن الحروب عن عمد وإلحاق الحرائق بالآخرين تحت ستار الديمقراطية وحقوق الإنسان سيتم الرد عليه من خلال المعارضة المتزايدة من الجنوب العالمي.
لقد كان عام 2023 عاما للتغيير، وكانت دبلوماسية الصين في عام 2023 رحلة قوة وثقة ومواجهة تحديات وجهاً لوجه، وكما نقول باللغة الصينية، تتمتع القضية العادلة بدعم وفير بينما لا تجد القضية الظالمة سوى القليل من الدعم، وكلما واجهت الصين قضايا رئيسية تتعلق بمستقبل البشرية واتجاه التنمية العالمية، وقفت طوال الوقت بحزم على الجانب الصحيح من التاريخ وعلى جانب التقدم الإنساني، ومع اقتراب عام التنين، مع كل أوجه عدم اليقين والإمكانيات التي تتكشف أمامنا، نتوقع الكثير من الصين في عام 2024.
المصدر – شبكة تلفزيون الصين الدولية.