فوق كل توترات المنطقة يعقد مؤتمر استانا ويفرد أوراقاً سياسية حول الوضع في سورية، وإن كان هناك من يشكك في صحة التوقيت فإن عقارب الساعة في المنطقة كلها تشير للضرورة طالما أن الساحات مفتوحة للفوضى والمجازر التي تقوم بها اسرائيل في غزة وتتوسع بها لفتح المجالات لمثيلاتها في السلوك السياسي والعدواني لاستغلال الفرصة خاصة تركيا التي اخترقت خفض التصعيد في الشمال السوري إلى درجة فتح النار المباشرة لإذابة الالتزامات وكل الاتفاقات التي جرت في عشرين مسار سابق لاستانا.
يبدو واضحاً لكل من دمشق وموسكو أن أنقرة بدأت تعود للّعب بذيلها السياسي مستغلة الظروف الإقليمية والعدوان الصهيو أميركي على غزة وجنوب لبنان وربما تغازل به واشنطن لتضرب في الشمال السوري ممهدة لعدوان واسع شبيه بما سمته سابقاً نبع السلام ودرع الفرات وغصن الزيتون وغيرها من لافتات أردوغان التي يهدف من ورائها إلى التوسع والاحتلال وتطبيق نظرياته بما يسميه المناطق الآمنة المتستر خلفها بأحلامه العثمانية.
فكان لا بد لسورية والدول الضامنة إيران وروسيا من جر أردوغان إلى طاولة استانا وتكبيله سياسياً بما يحاول التملص منه واحتواء ما يحاول تصعيده في الشمال السوري في محاولة للإبقاء على العملية السياسية استانا وتحريكها حتى لو بمقدار خطوة كي لا يسمح للفيل التركي بتحطيم ما توصلت إليه مؤتمرات استانا وفتح جبهات تخنق المنطقة كلها بمزيد من التوتر والحروب وسحب كل الذرائع من يده المتلاعبه.
اللافت أن أجندة استانا ٢١ أيضاً تضع بند إعادة الإعمار في سورية في بداية بنود الأجندة السياسية لهذا المسار الحالي، ما يعني أنها رسالة مباشرة للأميركيين وعلى بايدن أن يقرأها دون أن يضع نظارته السياسية التي يبدو أنها انزلقت عن وجهه من قوة الضربات المقاومة على قواعده الأميركية غير الشرعية في سورية ففقد جزءاً كبيراً من رؤيته لمستقبل هذا الاحتلال الأميركي لسورية والذي باتت تطالب بانسحابه الكثير من القوى السياسية والإعلامية داخل أميركا نفسها خوفاً من عودة جنود أميركا أفقياً في توابيتهم إلى بلادهم وهو ما اختبروه سابقاً في العراق وغيرها.
استانا ٢١ تعلن حضوراً سياسياً وسط كل الفوضى والعدوان الأميركي والصهيوني في المنطقة وإذا هي تثبت خطوات سياسية نحو الحلول في سورية فإنها أيضاً تفتح أقنية سياسية أخرى لمسك الأطراف التي تهدف لتوسيع الحرب في المنطقة كلها.