الثورة- رنا بدري سلوم:
أسمعتم يوماً بخلط مياه البحر بالسكر؟ لتفادي العطش وشرب ما يبقي على قيد الحياة! في قطاع غزّة الجريح تسمع قصصاً لن تتخيّلها، قصص تُدمي القلب وتوجع الروح، منها سياسة تجويع المدنيين الأبرياء من الفلسطينيين، بعد صبرهم على العدوان الغاشم الذي يرتكبه العدو الإسرائيلي بحقهم، جرائم فاقت الوصف باستمرارها، بإراقة دم شعب أعزل وهو يدخل شهره الرابع من العدوان، فمنهم من قضى نحبه في إبادة جماعيّة، ومنهم من يعيش مجاعة فرضتها عقوبات انتقامية مشددة على أهالينا في غزّة بعد حصار جائر على القطاع منذ عشرات السنين.
خطة عسكرية دمرت المخابز وقطعت الكهرباء والماء، ومنعت دخول الشاحنات المحمّلة بمواد غذائية إغاثية إلى أهالي القطاع، فلم يستهدف البشر وحدهم بل المحاصيل الزراعية ومصانع الدواجن وخزانات المياه، وهي لفرض سياسة التجويع والتعطيش للي ذراع المقاومة وفرض شروط المساومة.
ومع كل هذا الخناق تبقى سياسة التجويع الأكثر وحشية بحق الأطفال الذين يعيشون مرحلة شدّ الأحزمة كي يبقوا على قيد الحياة، وهي سياسة ليست وليدة اليوم بل لها تاريخ حافل باللاإنسانية، وعلى رأس القائمة الولايات المتحدة الأميركية، وألمانيا التي ارتكبت سياسة التجويع خلال الحرب العالمية الثانية وقتلت مئات الآلاف جوعاً أثناء حصارها لمدينة لينينغراد “سانت بطرسبرغ” عام ١٩٤١، وقد أكدت الدراسات والبحوث الاستراتيجية أن سياسة التجويع يمكن أن تؤدي إلى ظروف خطيرة، لانعدام الأمن الغذائي.
ولطالما كانت سياسة التجويع أحد أهم أدوات الحرب والثورة الفرنسية عام ١٧٨٩، وآنذاك كانت تعيش ضغطاً اقتصادياً أدى إلى حالة فوضى في الحصول على الطحين، وهو ما يعيشه قطاع غزّة اليوم. ومن منا لم ير مشهد الطفل الفلسطيني وهو يجمع بكفّيه الصغيرين الطحين الممتزج بالتراب من الأرض بعد معركة دامت طويلاً على أفران الخبز المعطّلة نتيجة العدوان الإسرائيلي الهمجي تحقيقاً لهدفه في إفناء الشعب الفلسطيني للمساومة على قضية الأرض، القضية التي دفع ثمنها الأبرياء ولا يزال أطفالها يعيشون الصمود على ركام بيوتهم وينشدون النصر بأمعاء خاوية بأنهم باقون.