الثورة – دمشق – تحقيق ميساء العلي:
في محله الذي يعود لأكثر من 150 عاماً بسوق البزورية يجلس الصيدلاني محمد منصور الخطيب- اختصاص أدوية وتغذية وعلاج بمواد طبيعية ليقول لنا: إن “الطب البديل” مفهوم يطرح بشكل خاطئ، فحسب كلامه لا يوجد طب بديل للطب، لكن اختلفت المفاهيم ما بين التعامل مع مواد طبيعية سواء أكانت نباتية أم حيوانية أم معدنية وما بين العمل بمواد مصنعة، فالطب هو الطب، لكن عندما توسع الطب الذي نسميه الطب التقليدي الحديث أصبح هناك ما يسمى متممات طبية، فعلى سبيل المثال المعالجة الفيزيائية من المتممات الطبية، ولهذا كانت العودة في أوروبا إلى الطبيعة والنباتات، فهذا الطب أمر مساعد فالطب الحديث التقليدي نشأ من النباتات.
ويتابع شيخ العطارين- كما يُطلق عليه في سوق البزورية- والذي ورث مهنة العطارة عن والده وجده منذ أكثر من 46 عاماً أن مهنة العطارة هي أقرب مهنة إلى الصيدلة، لأنها الشكل القديم للطبابة، ففي نهاية الستينيات بألمانيا توصلوا إلى مفهوم “أننا صنعنا كل شيء من الكيمياء، لكن وصلنا إلى مرحلة في مركبات لو حاولنا تصنيعها كيمائياً ستكلفنا أغلى بكثير مما إذا استخصلناها من النباتات، لذلك تم في مطلع السبعينات إعادة دراسة في ألمانيا لكل ما درس سابقاً من النباتات على أجهزة التحليل الحديثة، فالشركات التي تعمل على الهرمونات في ألمانيا تأخذه من نباتين إما من العرق سوس أو العشبة المغربية ليتم بعد ذلك إدخال مواد كيميائية كون الهرمونات المصنعة كيميائياً تكلف الكثير، واشترطوا أن يستخلص أي مركب هرموني من 5 نباتات بحيث لا يتجاوز الـ 7 نباتات في حين كان سابقاُ يعتمد على مركب نباتي واحد.
وقال في حديثه لـ “الثورة”: “لا يمكن الاستغناء عن الطب الحديث في الحالات الحادة والإسعافية، لكن أجد بالأمراض المزمنة المواد الطبيعية جودتها أفضل حسب موقع الاستخدام، وهذا ينفي النظرة السائدة أن هناك صراعاً ما بين الطب النباتي والطب الحديث، “فعلى سبيل المثال نبات الخلة والتي اكتشفها عالم مصري أعطت حتى وقتنا الحالي نتائج إيجابية على مشكلات الكلية أكثر من الخلين النقي، ويعود ذلك لأن النبات لا يوجد فيه مركب وحيد، كما في الصناعات الكيميائية.”
الخطيب تابع كلامه “عندما اكتشف انفلونزا الطيور في الصين أجروا أبحاثاً تؤكد أن المادة المضادة له متواجدة في “اللفت” والذي اعتبر حينها أقوى دواء، ليأتي بعده العرق سوس، ومن ثم اليانسون النجمي، فقد تم استخلاص متممات منها للمعالجة.”
المهم بهذه المهنة عدم تداخل بعض أنواع النباتات لذلك يجب أخذ الاسم اللاتيني للنبتة وعدم التعامل مع المسمى في كل بلد- بحسب كلامه- فنبتة الهندبة المرة مفيدة للجهاز الهضمي، في حين الحلوة جذورها فقط المفيدة للمشكلات الصدرية، ويجب عدم الخلط بينهما، لذلك نرى أن المشكلات تحدث كون معظم الناس التي تعمل بالعطارة ليس لها قاعدة علمية.
وحول ما يشاع ونسمع عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن علاجات لمرضى السرطان من خلال أعشاب معينة- تحدى الخطيب- أن يكون هناك ولو حالة استشفاء واحدة، وإن كان هناك فهي مجرد تأثير مؤقت، ذاكراً أنه خاض تجربة من هذا النوع مع إحدى المرضى كانت النتيجة تثبيط مؤقت وليس شفاءً من الورم السرطاني، لكن الإيجابية الوحيدة للعلاج بالأعشاب أن تأثيراتها آمنة على الجسم ويصل المريض في لحظة الوداع من دون ألم على عكس العلاج الكيميائي ناهيك عن التكلفة الباهظة.
– ارتفاع سعر الدواء..
ارتفاع أسعار الأدوية وفقدان البعض منها، وصعوبة الحصول عليها جعل العديد من المرضى يلجؤون إلى التداوي بالأعشاب الطبيعية، أو ما يطلق عليه الطب العربي الشعبي من دون معرفة مخاطره، والتي تؤدي في بعض الأحيان إلى الموت كونها علاجات لاتتم وفق قواعد علمية.
في سورية لا يوجد ترخيص للطب البديل لكن هناك علاجات متممة “المعالجة الفيزيائية”، حيث من الممكن أن يقوم طبيب المعالجة ببعض العلاجات، مثل الشد القطني أو الشد الرقبي والعلاجات الموضعية والمساجات عند المرضى المصابين ببعض الإصابات في الجهاز الهيكلي، ولكن هذا ليس العلاج الوحيد، وإنما هو متمم للعلاجات الأخرى المعتمدة في علاج هذه الحالات- بحسب تصريح لنقيب أطباء دمشق عماد سعادة- مؤخراً، والذي رفض تسمية العلاجات التكميلية بـ”الطب البديل” لأن الطب هو علم مبني على البحث العلمي والتدقيق والتمحيص ومبني على أدلة مثبة بالبرهان خلال سنين عديدة يمارسها عادة الأطباء الاختصاصيون، أما تسمية “الطب البديل” التي لها أشكال مختلفة من الوخز بالإبر الصينية والعلاجات المختلفة بالأعشاب والعقاقير لم تخضع للبحث الطبي الكافي وبالتالي تسميتها بالطب البديل خطأ وهذا ما يتفق مع كلام شيخ العطارين الخطيب.
– أدوية نباتية مرخصة..
نقيب الصيادلة بدمشق قال لـ “الثورة”: إن ارتفاع سعر الدواء هو السبب الرئيسي في توجه البعض نحو “الطب البديل” على الرغم من أن هذه الطريقة غير مدروسة بشكل علمي، فقد يحدث تداخل يكون لها أعراض خطيرة على صحة المريض، مشيراً إلى أن هناك بعض الأدوية النباتية المرخصة من وزارة الصحة وهي تشمل شرابات السعال النباتية أو التركيبات النباتية المرخصة عالمياً.
– وصفات لجميع الأمراض..
في جولتنا على سوق البزورية نرى على واجهات محال بيع العطارة عبارات “وصفات لعلاج السكري، ومشكلات الكلى، وخلطات منحفة، وللصداع وغيرها الكثير الكثير.
وعند سؤالهم عن مصدر منتجاتهم.. يأتي الجواب معظمها من البلد والقليل من خارج البلد.
فهاهي ميسون تبحث عن خلطة لمشكلات الكلى لأن تكلفة العلاج طبياً أغلى بكثير من الخلطة العشبية، في حين تسأل لينا أحد محال العطارة عن خلطة لعلاج الصداع النصفي.
بكل الأحوال تبقى أسعار النباتات الطبية أرخص من الدواء الذي ارتفع أضعافاً مضاعفة، وهناك المزيد من الارتفاعات القادمة على ما يبدو.