الثورة – حسين صقر:
حالات نفسية كثيرة نعاني منها، وقد تقيد حركتنا وتمنعنا من التواصل والمشاركة والحضور، وحتى التحدث عندما يتطلب منا الموقف ذلك، وذلك بسبب نظرة الآخرين واعتقاداتهم عن شخصيتنا، والأسئلة الكثيرة التي تدور في أدمغتنا، ماذا سيقول هؤلاء في حال تحدثنا كذا أو كذا.
اللودوكسافوبيا، أو فوبيا ما يعتقده الناس عنا، وكيف نهزم مخاوفنا بشأن ذلك الاعتقاد؟ ففي لحظة ما يتحول القلق العادي إلى حالة خوف أو ما يسمى رهاباً، حيث القلق من آراء الآخرين يضعف قدرتنا على اتخاذ القرارات وأحياناً المصيرية منها، في الوقت الذي لا يفكر هؤلاء فينا، ويتحدثون ما يطيب لهم أو يرغبون فيه، ويطلبون حوائجهم دون أدنى تردد، وهو ما يدفعنا للشعور بقبول الوضع كما هو والاستكانة لآراء هؤلاء، وهذا يدخل في إطار الخجل، وبالتالي عدم المطالبة بالحقوق أو التحدث بالواجبات.
هؤلاء الذين نفكر بهم وبآرائهم نحونا أو بنا، هم ضيوف على عقولنا قبل اتخاذ أي قرار، حتى وإن لم نكن مرحبين بهم في حياتنا العادية، نفرط بقلقنا بسببهم بما لا يتناسب مع الموقف، وهو ما يسبب تداخلاً في حيواتنا اليومية، وهو ما يقودنا إلى التساؤل حول سبب رغبتنا الغريزية بكسب استحسان الآخرين، والشعور بضيق عندما يمر بنا أحد ولا يلقي التحية أو يهتم لأحاديثنا أو يعقب عليها.
حول هذا الموضوع تقول الاختصاصية النفسية راغدة معطي: لكون الإنسان كائناً اجتماعياً، ويعيش ضمن مجتمع تتعدد اهتماماته وتتنوع، فبالفطرة يفكر بمن حوله ويسأل عن رضاهم عنه، موضحة أنه عندما يقرر أحدنا التحدث وسط مجموعة، تنشط شبكة في الدماغ معروفة بـ”نظام التثبيط السلوكي” Bic” وما يسمح لك بتقييم الموقف، وتحديد كيفية التصرف، وتنبيهنا بعواقب التصرف غير اللائق، وعندما يكتمل الوعي بالموقف يتوقف “نظام التثبيط السلوكي”، ويعمل “نظام التنشيط السلوكي”BAS” الذي يركز على اتخاذ القرارات.
وتابعت وهذا هو مايدعو للقلق من آراء الآخرين الذي يضعف قدرتنا على اتخاذ القرارات، ويمنع العقل من الانتقال للمرحلة الثانية، ولهذا يظل البعض يفكر فيما كان يجب قوله في موقف ما لكنه لم يجرؤ، ويتحول القلق من قبول الآخرين إلى حالة نفسية تسمى “رهاب اللودوكسافوبيا”، وتتراجع معها قدرة الفرد على القيام بالمهام العادية، كاتخاذ القرارات، وشعور عميق بالاحتياج وانعدام الأمن، ما يؤدي بدوره إلى إبعاد الآخرين، وقد يؤدي في النهاية إلى فقدان احترام الذات أو ما يسمى الاغتراب الاجتماعي، وهو ما يعيدنا أيضاً إلى ذكريات الطفولة والبيئة التي عشناها، وكيف تم قمع الإنسان في داخلنا عندما أردنا التحدث أول مرة.
بعض الخطوات
وأضافت معطي إذا شعر الشخص بالقلق من آراء الآخرين، عليه اتباع بعض الخطوات، ليس لمعاداة المجتمع أو التجاهل التام لآراء الآخرين، لكن لبناء علاقة صحية مع نفسه أولاً ومع هؤلاء ثانياً، فبدلاً من أن يسأل نفسه “كيف يمكنه تحسين صورته في أعين الآخرين، يسألها كيف يمكنه تحسين تلك الصورة أمام نفسه؟! وهو أمر ليس سيئاً في حد ذاته، لكن كثرة الاهتمام بما يريده الآخرون منا يبعدنا عما نرغب به ونحتاجه، مشيرة بأنه لا أحد يهتم لتلك الدرجة بما قلت أو فعلت، وبنسبة كبيرة لن يتذكروا الأمر، لأن تفكير الآخرين بنا، سواء أكان إيجابياً أم سلبياً أقل بكثير مما نتخيل.
وذكرت مثالاً أنه أظهرت نتائج أربع دراسات منشورة بإحدى المجلات المتخصصة بالدراسات النفسية أننا نبالغ في تقدير تأثير إخفاقاتنا وأوجه قصورنا على تفكير الآخرين، وأن معظم الأخطاء التي وقع فيها الممثلون وتوقعوا أن يقسو عليهم الجمهور بسببها كانت في الأصل نتيجة لتركيزهم بشكل مفرط على احتمالية فشلهم، وبالنهاية لم ينتج عنها رد فعل قاس كما صورت لهم توقعاتهم المتشائمة.
ونصحت معطي أن يحكم الشخص بنفسه على سلوكه، وألا يعتمد على الآخرين، لأن الناس يميلون دائماً لتشويه الحقيقة داخل عقولهم، واتباع أنماط التفكير السلبي، وافتراض الأسوأ، وذلك ما يدفعنا لسوء المزاج والسلوك، ولهذا تتطلب من هذه المشاعر الرؤية الواضحة للأمور والحديث مع النفس بصدق، والتفرقة بين ما إذا كنت حقاً مرفوضاً في موقف أم أنك متوهم ذلك لأن مشاعر الغضب كانت تتملكك، وألا تسعى للكمال، فقد يكون من الصعب التخلص من فكرة “إذا كنت مثالياً سيحبونني”، لكن ذلك السعي هو وهم، وما يعتقده الناس عنك متأثر بهم أكثر مما يتأثر بك.