الثورة – رشا سلوم:
ما فتئ علم النفس يبحث في أغوار الإنسان الذي يظن نفسه جرماً صغيراً وفيه انطوى العالم الأكبر.
لم تكن البدايات مع فرويد كما يظن البعض بل ثمة محاولات كثيرة جرت قبله مهدت له الوصول إلى إطلاق علم النفس ووضع خطوطه العريضة، ومن ثم أكمل الطريق تلاميذه الذين انشق بعضهم عنه، ومن ثم طرحوا نظريات وخطوطاً عريضة وجديدة في هذا الميدان.
من الكتب المهمة التي نقف عند خطوطها العريضة كتاب (سيكولوجية العلاقات الإنسانية) “لإريك بيرن”، هو كتاب يضع القارئ في عمق الألعاب النفسية التي يمارسها الأفراد خلال تفاعلاتهم اليومية.
يقوم بيرن بتقديم مفهوم الألعاب من خلال نظرية التحليل التعاملي، وهي نظرية تتناول الفهم العميق للتفاعلات الاجتماعية والتواصل بين الأفراد، وحسب النقاد الذين تناولوا هذه النظرية فإنها في جوهرها تقدم مفهوم “حالة الأنا”، والتي تصف شخصية الفرد في لحظة معينة.
يقسم بيرن هذه الحالات إلى ثلاثة أنواع رئيسة: الوالد، البالغ، والطفل.. تمثل هذه الحالات أنماطاً معينة من الأفكار والأحاسيس والسلوكيات، تعتبر الطريقة التي تتفاعل فيها هذه الحالات داخل الفرد وبين الأفراد أساسًا للعديد من الألعاب التي يمارسها الناس.
ليست الألعاب التي يتحدث عنها بيرن هي تلك المرتبطة بالتسلية فقط، بل هي أنماط سلوكية متكررة يسعى من خلالها الأفراد للحصول على مكافآت نفسية، وغالباً ما يكون ذلك على حساب الآخرين، وتتراوح هذه الألعاب بين البسيطة، وقد تؤثر في العلاقات الشخصية وديناميات مكان العمل وحتى في الأنظمة المجتمعية.
ما يميز كتاب بيرن هو الطريقة التي يصنف ويصف فيها هذه الألعاب بتفصيل، حيث يستخدم أمثلة واضحة لإلقاء الضوء على كيفية ظهور هذه الألعاب في سياقات مختلفة، ما يسهل على القارئ التعرف والفهم للسلوكيات الخاصة به وسلوكيات من حوله.
وفي النهاية، يشدد بيرن على أن الهدف من فهم هذه الألعاب ليس فقط لتحليل سلوك الإنسان، ولكن لفتح الطريق أمام تفاعلات أكثر صدقاً وبناءً من خلال التعرف على الألعاب التي نمارسها، يمكننا تجنبها، ما يسهم في تعزيز العلاقات الصحية وتحسين التواصل.)
واللعب هو حاجة ماسة للصغير والكبير ويعوض الكثير، وأيضاً تفريغ لطاقات علينا أن نتخلص من آثارها.

التالي