الثورة – ترجمة: رشا غانم:
تسببت الحملة العسكرية التي نفذها الكيان الإسرائيلي ضد غزة في السابع من تشرين الأول، بمقتل ما يتجاوز ٢٧٠٠٠ مواطن في القطاع وجرح أكثر من ٦٠٠٠٠ مواطن آخر، وفقا لما نقلته وزارة الصحة في غزة، كما تم تشريد ونزوح أكثر من ٧٥ بالمئة من سكان غزة من أصل ٢،٣ مليون مواطن، وتحمل أكثر من ٤٠٠٠٠٠ شخص المجاعة بسبب الحصار الذي يفرضه الكيان ضد القطاع، إضافة إلى القيود التي يمارسها على المساعدات الإنسانية والتي من شأنها أن تمنع المدنيين من البقاء على قيد الحياة، كما يمكن لهذه الأرقام أن تتفاقم إذا ما تم كبح الدعم الدولي للمساعدات، إن هذه الأرقام بمثابة صاعقة، وإذا لم نتأمل بها دون التفكير فيما إذا يقوم الكيان الإسرائيلي بتجاوز معايير القانون الإنساني الدولي خلال حملته، وفي الواقع، هناك إجماع عالمي بأن ما تسمى “إسرائيل” تقوم بذلك بالفعل.
لقد أفادت منظمات حقوق الإنسان والقنوات الإخبارية عن العقوبة الجماعية غير العادلة ضد الفلسطينيين، وهي ممارسة التجويع والمجاعة كسلاح حرب، إضافة إلى القصف الجوي والمدفعي وعمليات هدم البناء والتي لا تتضمن أهدافا عسكرية، ولكنها تتسبب بخسائر مدنية هائلة وتهديم للممتلكات.
كما أفادت منظمة هيومان رايتس ووتش عن تحقيقات أجرتها حول ضربات جوية غاشمة استهدفت المشافي في غزة .
وكشفت منظمة العفو الدولية بأنه تم قصف المنازل التي تعج بالمدنيين في غزة بذخائر هجوم مباشر من صنع أمريكي.
وأثار الاستخدام المفرط للكيان للأسلحة الثقيلة في المناطق المكتظة مخاوف كبيرة من أن الكيان قد يقوم بعمليات تصفية غاشمة.
وبدوره أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين مؤخرا أن:” عددا كبيرا جدا من الفلسطينيين قتل على أيدي القوات الإسرائيلية، وقال إنه “من الضروري” أن يكون لدى “إسرائيل” خطة واضحة تضع أهمية قصوى لحماية المدنيين”، وفي اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الشهر الماضي، ردد تلك الملاحظة: قال إن عدد القتلى المدنيين “مرتفع للغاية”.
إن لفت الانتباه إلى ما يحدث في غزة سيفرض بالتأكيد تغييرا في السياسة، الأمر الذي لا يريد بايدن إجراؤه، حيث ستواجه إدارته سلسلة من الخيارات الصعبة التي يفضل تجنبها، وسيزيد من تعقيد الديناميكيات المعقدة بالفعل للعلاقة بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”، وربما يخلق نقطة ضعف سياسية لبايدن في عام الانتخابات.
ولكن طالما أن الإدارة تتجنب حقيقة الانتهاكات الإسرائيلية في غزة وتطبق قواعد المساعدة العسكرية بشكل انتقائي، فإن السلطة الأخلاقية التي تدعيها الولايات المتحدة سيولى أدبارها.
إن المكاسب قصيرة الأجل لمثل هذا النهج يفوقها بكثير الضرر طويل الأجل الذي يلحقه بالمصداقية والمصالح الأمريكية، يجب على المسؤولين الأمريكيين أن يقولوا بصوت عالٍ عن كل ما يعرفه كل مراقب محايد عن سلوك “إسرائيل” في غزة: إنه أمر غير مقبول، وإذا لم يتغير، فإن سياسة الولايات المتحدة تجاه المساعدة العسكرية لإسرائيل ستفعل ذلك، وصحيح بأن ثمن هذا الصدق سيكلف كثيرا، لكن ثمن النفاق هذا سيكلف أكثر بكثير من ذلك.
يتطلب القانون الأمريكي من المسؤولين تقييم ما يفعله متلقي المساعدة العسكرية الأمريكية بالأسلحة المقدمة، ويبدو أن مثل هذه التقييمات مهمة بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بالحرب في غزة، ولكن وبالنظر إلى الحجم الهائل لقصف الكيان والمستويات المبلغ عنها للخسائر في الأرواح بين المدنيين، فإنه ليس من الواضح على الإطلاق أنها تحدث.
إن أسوأ نتيجة لرفض الإدارة الامتثال لنص وروح القانون الأمريكي هي أن واشنطن قد تجعل من الممكن وقوع خسائر فادحة وربما إجرامية في أرواح المدنيين في غزة، ولكن النتيجة الكارثية الأخرى لهذا النهج هي مصداقية الولايات المتحدة، التي تضررت بسبب التناقض في أحسن الأحوال وفي أسوأ الأحوال كانت عبارة عن نفاق في أماكن أخرى في العالم، في حين أن الكيان يقوم بمثل تلك الضربات على المشافي والمدارس الفلسطينية بدون أن نسمع خطابات معارضة من البيت الأبيض، نحن لا نريد أن نرى مريضا بريئا أو مجروحا بريئا يموت بسبب القصف على المشافي.
وقد يجادل البعض بأن الولايات المتحدة تستطيع تحمل القليل من النفاق من أجل دعم حليفها القديم ” الاسرائيلي”، لكن لعب دور في تجاهل القانون الدولي سيكون له عواقب وخيمة على الولايات المتحدة خارج غزة، وستبدو التصريحات المستقبلية لوزارة الخارجية بشأن الفظائع جوفاء، مما يجعل من الصعب محاسبة الجناة وردع الجرائم الدولية المستقبلية.
ولبدء كبح جماح “إسرائيل” ووقف تشويه المصداقية الأمريكية، تحتاج إدارة بايدن إلى تكليف محاميها بتقييم جميع المعلومات المتاحة-السرية وغير السرية-حول الحملة العسكرية للكيان في غزة وتحديد متى وأين انتهكت “القوات الإسرائيلية” قوانين الحرب، وما إذا كان الكيان يحاسب مسؤولييه، ويجب نشر النتائج التي توصلوا إليها، وتقديم الأدلة إلى الكونغرس، وأثناء
حدوث هذه التقييمات، يجب إخطار “إسرائيل” بأن المساعدة العسكرية الأمريكية في خطر.
لن تكون التكاليف السياسية للنظر بشكل مباشر إلى الأدلة وتصحيح السياسة الأمريكية حسب الضرورة مريحة للرئيس والمشرعين أثناء الحملة الانتخابية، ولكن هذه التكاليف أقل من تكلفة تصرف السلطات الأمريكية كما لو أن المعاناة الحادة للشعب الفلسطيني في غزة لا تستحق نفس التدقيق مثل معاناة المدنيين في الصراعات الأخرى، موقف يعطي الذخيرة لأولئك الذين يؤكدون أنه، عندما يتعلق الأمر بتطبيق المبادئ الأمريكية وحماية حقوق الإنسان الأساسية، تطبق واشنطن معيارا مزدوجا واضحا، ومن الواضح أنه نفاق.
المصدر – هيومان رايتس ووتش.