الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:
لطالما سُحرنا بكلام مُنصِّفٍ يضع النقاط فوق الحروف ويُقيِّم الكتابة بمنظارموضوعي حصيف فيُضيء جوانب مُشرقة خافيةعلى الكاتب نفسه والقارئ ذاته، فتستفيد منه المكتبة العربية ويُسطِّرالتاريخ اسمه بأحرف من نور، نتيجة تعمُّقه في ألوان الكتابة وأجناسها المختلفة، ليبحربعدها في عالم ساحراسمه النقد فيغدو كميزانٍ عادل لا يُرجِّح كفَّة على أخرى،وإنَّما ينصف الجميع؛ في حين نرى المبدع يلتقط خيوط إحساسه البكرفيترجمها شعراً أو نثراً أو فناً خالداً، مُحاولاً ما أمكنه صياغة أسلوب جديد ومضمون مبدع قد يُطعِّمه أحياناً بتداخل الأجناس وريادة السبق في المفردات والعبارات والصوروالخطوط الفنية؛ مع إيماننا بأنَّ هناك علاقة بين الناقد والمبدع، طارحين سؤالاً: هل النقد ضرورة، والناقد يتبع المبدع أم يسبقه؟
النقد دراسة
الكاتب أيمن الحسن رأى بأنَّ هناك فارقاً جوهرياً بين الكاتب والناقد، فالكاتب يمكنّه أن يكتب في أيِّ جنس من الأجناس الأدبية، ويمكن أن يبدع أولايبدع. إنَّها مسألة يحدِّدها الناقد، ولا بدَّ أن يمتاز بأهميّة أساسية لأنَّ النقد أصبح دراسة، ولم يعد مجرَّد متذوقة، ويقوم بها الكثير من الأساتذة والخريجين في الجامعات كي يُقدِّموا رسائلهم في النقد سواء أكان القديم أم الحديث، وتهيئهم لأن يقدِّموا مستقبلاً قراءات في الأجناس الأدبية على تنوّعها، إضافةً إلى أنَّ الناقد لا يكتفي بالدراسة ولابدَّ أن يمتاز بقدرته على التمييز بين الغث والسمين، وأن يكون لديه اطلاع واسع على الأجناس الأدبية عموماً حتى يستطيع وضع العمل تحت المجهرفي مكانه المناسب من الجودة، لافتاً بأنَّه من الأفضل أن يكون الكاتب ناقداً بعد أن يكتب في الجنس الأدبي الرواية في فترة من الفترات حتى يتقنه ويعرف مداخله ومخارجه ونسميها الوعي بالتجربة. الروائي عندما يريد أن يصبح ناقداً سيكون ناجحاً لأنَّه يعرف كيف يعمل، وعندما يصبح القاص ناقداً للقصة يمكن أن يُحقِّق نجاحه وكذلك الشاعر؛ أمَّا الناقد إذا لم يجرِّب الأجناس الأدبية فإنَّه يحتاج إلى الكثيرمن العمل على زيادة معلوماته حتى يدخل في التجربة لأنَّها ليست مسطرة نقيس بها على العمل بل هناك ذائقة تتشكَّل من خلال القراءات الكثيرة والمتنوعة والحوارات والسجالات وكثير من الأشياء يحتاجها الكاتب كي يصبح ناقداً.
رؤية جديدة
وبيَّنت الكاتبة لينا حمدان بأنَّنا كما نزيح الستارة عن لوحة حلوة أو نشعل الضوء فنرى ما وراء العتمة من لوحات وصورهكذا يكون النقد «البنّاء» المتمكّن الواعي الحيادي دون أيِّ أهداف أو نيات مسبقة إلا القيام بعمل إبداعي آخر يليق بصاحبه و بالعمل الأدبي أو الفني المُقدّم، وتعتبرعلاقة النقد بالعمل الإبداعي رؤية جديدة وحيادية إنَّما إيجابية لقراءة النص أو اللوحة من وجهة نظر مختصّة ومتمكِّنة، كما تُعتبر القراءة مهمة جداً لأنَّها تُضيف ألقاً وتكشف ما بين السطورمن مشاعروثقافة ورؤيا مُتجدِّدة، مُنوِّهةً بأنَّ العمل الإبداعي يأتي غالباً دون قرارمُسبق من الأديب أو الفنان لأنَّه نتيجة تراكم انفعال أوثقافة وتجدُّد أفكارومشاعر بعيداً عن مقاييس أو حدود مسبقة بينما النقد يأتي بحيادية تامة وبقرارفكري واعٍ و مسبق و له أسسه و مقاييسه الدقيقة وترجمته الفنية لكلِّ ما يخفى أو يكون ضبابياً للوهلة الأولى فالنقد الجيد يُضيف و يُجدِّد و يُبدع روحاً وضياءً.
البنى الداخلية
كما أشار رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين في الرقة محمد الرفيع إلى أنَّ التذوّق الجمالي مرافق لسياقات فنية وجمالية، والنقد أساساً يتمُّ بنقل إحساس الفنان من مناطق الإدراك الحسي إلى مناطق أخرى، لكن النظريات النقدية والجمالية اختلفت في تناولها للأعمال الفنية المُعبّرعنها بحسب الطبيعة الإنشائية والتكوينية للعمل وأسلوبية الفنان المنتج. وتتبدَّى لدى الناقد عمليات التحليل والتركيب وتصاعد الحس الجمالي بدءاً من الملاحظة البسيطة وصولاً إلى المركَّب منها، مُوضِّحاً مدى حاجتنا لناقد يكشف عن علاقات البنى الداخلية وسياقات العمل الفني، ويجب التفريق بين متلقٍّ وناقد لم يبلغ مبلغ الناقد ويفتقد القدرة على التعبيراللغوي وتوصيف وإيصال انطباعاته عن العمل من خلال امتلاك ثقافة تراكمية تحليلية تُشكِّل اِحدى ملكات الناقد الجيد، إضافة إلى الثقافة التخصصية الواعية ومن دونها لن يثمرأي عمل تقويمي حقيقي لافتقاد القابلية المنطقية والبلاغية، وسيكون أساس البناء النقدي الجمالي المتصف بمنهجية علمية بغض النظرعن المدرسة المنتمي إليها أو يعتمدها وما نفتقده عند البعض من النقاد فالقليل منهم يمتلكون صفة الناقد الواعي المتخصص ويمثل الذائقة والانتماء.
ثم تابع الرفيع بأنَّه لو أردنا الغوص أكثرسنرى أنَّ الأمر فيه جانبان: الأول :يتصل بسيكولوجية الناقد الفنان مضافاً إليها دوافع خفية، أما الآخر: فيتعلق باكتساب التراكمي: ثقافي وتخصصي وجمالي للمدارس والحركات بمختلف اتجاهاتها، وأغلب الظن أنِّ الناقد مَنْ يمتلك كلّ الأدوات والمفاتيح وعليه اتباع الفنان الحقيقي الملم بأدواته وخبرته ومسيرته ومتابعة كلّ محطات إبداعه الماربها مايجعل واقعنا التشكيلي الحالي يعاني من أزمة ثقة وتآلف بين الناقد والفنان. وهنالك بعض النقاد في الساحة التشكيلية السورية من عرفناهم منذ سنين طويلة هم أهل للنقد ويكتبون بأقلام يشعُّ منها الصدق والضمير وبعيون المبصر الحاذق والحصيف ،وبالمقابل تأخذنا الدهشة أمام البعض من نقاد نصبوا أنفسهم نقاداً يكتبون بدافع ما أو بسبب روابط وعلاقات شخصية، والأغرب كيف تكون في البداية صغيرة وتصبح فجأة غابة نخيل!.
العدد 1178 – 13 -2 -2024