حسين صقر
تتشابك العلاقات الاجتماعية وتتعدد سلوكيات الأشخاص وطريقتهم بالتعامل مع الآخرين، فنرى أناساً جديين لا يحبذون المزاح والهزل لأنه يفضي إلى مشكلات، وبعضهم الآخر يمارسه باعتدال وبخفة دم واحترام لمشاعر من يتعاملون معهم، ويرون في رواية الطرفة تعديلاً للأمزجة والترويح عن النفس من دون أي هدف، أو تجريح لأحد.
لكن بين هؤلاء، ثمة أشخاص يلجؤون للمزاح من العيار الثقيل، ويتخذون من أقرانهم ومن معهم في الجلسات مادة للتسلية والتعليق والسخرية كي يضحكون الغير، وفي ذات الوقت لا يتلقون مزاحاً أو رداً من هؤلاء، ويعدون ذلك الرد إهانة، بل ويتخذون المواقف متناسين أنهم هم أنفسهم من جلبوا ذلك لأنفسهم، وأن “من جلب نفسه للردى لا يلومها”: وهو ما يتردد بين العامة.
ليسو أفضل منهم
هؤلاء الأشخاص لا يهنأ لهم بال إلا إذا تناولوا غيرهم بأحاديث وثرثرات لا تنتهي، وتراهم في كلّ مرة يقعون في ذات الخطأ، والأغرب أنهم لا يتميزون بصفات أفضل من هؤلاء الذين يتناولونهم، وبالطبع حتى لو كانوا أفضل منهم غير مبرر لهم ذلك، لكن نقول ذلك على هامش الحديث.
فأولئك يتناسون المقولة المعروفة: “حيا الله امرئ عرف حده فوقف عنده”، وأن يكتفوا بما لديهم، سواء تميزوا عن غيرهم أم لا، ويتناسون أن جرح الآخرين والسخرية منهم يكسر خواطرهم، لأنهم في أحيان كثيرة، ليسوا عاجزين عن الرد وحسب، بل لأنهم يحترمون أنفسهم والغير، ولا يريدون التجريح أو اللجوء لإضحاك الآخرين على حساب مشاعر هؤلاء الأقران أو الجلساء.
وهؤلاء الذين يسخرون من أقرانهم، يتصفون بالكبر الذي يلازمه الابتعاد عن الحق وتحطيم نفسيات الأقران، والتسلية والإضحاك دون مراعاة للمشاعر.
تؤذي النفس
وفي هذا تقول الاختصاصية النفسية وفاء علوان لـ “الثورة”: إن كثيراً من الناس يتعرضون للسخرية والاستهزاء والاستهانة من الآخرين، إما بسبب طبيعة عملهم، أو شكلهم، أو لباسهم أو مرضهم، أو لوجود إعاقات جسدية أو لفظية أو للونهم، أو لسمنتهم ونحافتهم، وقد تكون أحياناً السخرية من أنسابهم أو أقاربهم وأصدقائهم، بإطلاق الألقاب عليهم والكلمات الجارحة ليصبحوا أضحوكة الأمرالذي يؤدي إلى تدمير نفسياتهم.
وتضيف علوان: إن السخرية بالآخرين لها وقع خطيرعلى النفس، وتؤدي إلى العزلة والتراجع في الأداء والعطاء من الناحية العملية والعلمية، وكثيراً ما يصاب المستهزأ به بالاكتئاب والقلق وعدم القدرة على الإنجاز والتواصل مع الآخرين بشكل إيجابي.
تضعف الروابط الإنسانية
من جهته يقول المرشد الاجتماعي مأمون الحاج علي لـ “الثورة”: إن للسخرية خطورة على المجتمع، وتساهم في إضعاف الروابط الإنسانية وتعزز ثقافة الكراهية وانعدام المودة والرحمة بين الناس، وذلك بسبب ما يتولد لدى المستهزأ به من رغبة في الانتقام بسبب الحقد والعداوة، ويمكن أن تتطورالأموروتخرج عن السيطرة وتتحول إلى عنف تجاه المستهزئين.
ويشير الحاج علي إلى أن هناك العديد من الدراسات تؤكد أن السخرية من الآخرين تؤدي إلى التقليل من احترام الذات، وتدمير الإنسان لذاته، لأن المستهزأ به يفقد الثقة بنفسه تدريجياً، ما يجعله أقل نجاحاً في الحياة وأكثر عرضة للأمراض، لأن ممارسة السخرية تضعف النظام المناعي، وهناك آثار سلبية مدمرة أيضاً على المستهزأ به حيث تسبب له السخرية، الاكتئاب، والقلق، وأحياناً العدوانية.
وختم المرشد الاجتماعي بالقول: هؤلاء المستهزئون يحتاجون إلى علاج نفسي وتعديل للسلوك، فهم يعانون من فراغ نفسي وعاطفي، بالإضافة إلى أنهم يصنفون من أصحاب العقول الفارغة التي توجه اهتماماتها باتجاه معين، ويتعاملون بفوقية وازدراء، ليجدوا لأنفسهم مجلساً بين البعض فهم عبارة عن مهرجين يضحكون الناس.
