بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لرحيل الفنان المعلم الياس زيات نظمت مؤسسة مدد للفنون الجميلة تحت رعاية جامعة دمشق ندوة حوارية عن دوره الفني والأكاديمي في صالة رضا سعيد بمبنى الجامعة، قدم خلالها المنتدون رؤية عن تجربة غنية في جوانبها الفكرية والإبداعية والتعليمية والاجتماعية الثقافية.
ولد الياس زيات عام 1935 في بيت تقليدي بدمشق القديمة، ارتبطت به كل ذكرياته عن الأهل والجيران، والحارات، والضوء.. وبدأ الرسم فيه، وكان موضوع أول لوحة رسمها في حياته، كانت تجمعهم قرابة مع الفنان ميشيل كرشة، وقد أتى ذات يوم ليرسم بيتهم، وفي اليوم التالي قام الفتى إلياس بتقليده ورسم لوحة، وكانت بداية رحلة امتدت ثلاث سنوات تعلم منه خلالها كيف يمسك الريشة وينسق الألوان. وبالمقابل كان الفنان ميلاد الشايب أستاذه في المدرسة، التي كان الطالب الصغير إلياس يمضي وقتاً طويلاً ينظر إلى سقفها ويتخيل صوراً كثيرة، وأكثرها كانت للحطّابة، الذين كانوا ينقلون الحطب من الغوطة على الجمال ويوزعونها للبيوت بعد أن يقوموا بتقطيعها وفرزها تبعاً لحجمها، أمام أبواب تلك البيوت.
حلم إلياس زيات بدراسة العمارة، ودرس الرياضيات والفيزياء في دمشق ليكون بمقدوره دراسة العمارة في حلب، وفي كلية الرياضيات والفيزياء تعلم حسب تعبيره (فلسفة الحساب) من قامات علمية كبيرة كانت تدرس هناك، ولكنه لم يدرس سوى عام واحد، ففي عام 1955 أعلنت وزارة المعارف عن مسابقة لدراسة الفنون نجح فيها وأوفد إلى بلغاريا، حيث تعلم الرسم بالرصاص والألوان، على يد الفنان إيليا بيتروف. كان الاتجاه الفني السائد هو الواقعية الاشتراكية، غير أن واقعية البلغار لم تكن وفق الطريقة الروسية، وإنما على طريقة خاصة فيهم، متأثرة بالواقعية الألمانية في القرن التاسع عشر. وقد تعرف خلال زياراته للمتاحف في بلجيكا وفرنسا على معظم الاتجاهات الفنية، فكان يتقيد بتعليمات إيليا بيتروف، في المشاريع الدراسية. أما في المعارض فكان ينجز لوحات متحررة أكثر من غيره.
في أيام الوحدة السورية – المصرية سحبت الحكومة المركزية الموفدين لبلغاريا، فانتقل إلى مصر لاستكمال دراسته، وهناك كان أمام طيف واسع من الاتجاهات والمدارس الفنية، فالمناهج الدراسية كانت فرنسية، ومن أساتذته كان حسني البناني الانطباعي وعبد العزيز درويش الذي كان يفسح له المجال لعمل تجارب جديدة، أخذ من كل واحد منهم كل ما أمكنه أخذه ، تعلم الدروس الأكاديمية بشكل جيد ثم صاغ تجاربه انطلاقاً من الفن المعاصر، فطالما أنت تقوم بفن مقتبس من الحياة، يجب أن يكون هناك ابتكار والرسم بالطريقة التي يتطلبها التعبير. وهذا ما جعله ينتقل في أسلوبه من الواقعية إلى التجريد إلى الرمزية التعبيرية.
شارك في تأسيس كلية الفنون الجميلة التي جمعته مع نصير شورى ومحمود حماد فشكل الثلاثة جماعة فنية تجريدية باسم جماعة د (نسبة إلى دمشق) أقامت معرضها الأول في صالة (الصيوان) عام 1965 وشاركهم فيه فاتح المدرس. و بعد سنوات قليلة وجد أنه قد وصل مع التجريد إلى طريق مسدود فاتجه نحو التراث الفني السوري وبحث معمقاً في الفن التدمري والأيقونة و الخط العربي، وقد رأى أنه بمفهومه العربي يختلف عما نعرفه، فما نعرفه وتعودنا عليه هو أكثر ما يكون عثمانياً تركياً، أما الخط العربي ففيه حرية أكثر، فعند خطاطي الفترة المملوكية أو ما قبل ذلك، كان هناك جمال بدائي في الخط، وهذا ما يراه جميلاً لأن فيه حرية الفن. أما عن الأيقونة فيرى أننا «لا نعرف شيئاً عن فن الأيقونة في فترة ما قبل القرن الثالث، ربما كانت هناك تجارب، ولكن من القرن الثالث وصولاً إلى أيامنا كان هناك نبعان لفن الأيقونة من حيث الأسلوب، فن الفيوم في مصر وتدمر في سورية، الفن التشخيصي في المرحلة الرومانية، سواء في مصر وسورية، أثر شكلاً على الفن المسيحي والذي نتج عنه فيما بعد البيزنطي والروماني، وفي سورية ومصر يوجد فن شعبي في الأيقونات المصرية والسورية، فن حرفي فيه لكنة بدائية ولكنها معبرة».
في أواخر الثمانينات بادر لتسليط الضوء على (الأيقونة السورية). ابتدأ الأمر على أساس إقامة معرض أيقونة شبيه بمعرض الزهور، وتمكن من تحويله لمهرجان فني ثقافي، تولى مهمة الإشراف العلمي والفني على معرض وندوة (الأيقونة السورية) اللذين أقيما في مكتبة الأسد بدمشق عام 1987 وكان مفوضاً للمعرض ومقرراً لجلسات الندوة في تلك التظاهرة، دعي خبراء لإلقاء محاضرات. وبفضل مكانته الشخصية استطاع إحضار نحو سبعين أيقونة من أديرة وكنائس، رمم بعضها وعرضها جميعاً في المعرض النادر.
توصف لوحات زيات بأنها تلخيص للثقافة والحضارة السورية ولكن بلغة معاصرة؟ وحين سُئل عن رأيه بهذا الوصف أجاب: «هو غير دقيق، ما الحضارة السورية؟ الحضارة السورية أفق واسع جداً، وفيه مراحل عجيبة غريبة، ترافقت مع حروب، ترافقت مع نزاعات على الأرض والثروات، والحضارات السورية التي قدرت أن أتعرف عليها وأقرأ عنها، أعطتني مفاهيم حاولت أن أرسمها بلوحاتي، وقد حاولت رسم الأفكار التي حصلت عليها بطرق معاصرة».