الثورة _ هفاف ميهوب:
تقول الكاتبة والروائية البريطانية «دوريس ليسنج» في كتابها:»سجون نختار أن نحيا فيها»:
«نحن في زمنٍ، من المخيف فيه أن نكون أحياء، حيث يصعب أن نفكّر في بني البشر كمخلوقاتٍ عاقلة، فكيفما نظرنا نرى الوحشية والغباء، حتى ليبدو أنه، لا يوجد عداهما شيءٍ نراه، انحدارٌ نحو الهمجية في كلّ مكان، ونحن عاجزون عن كبحه، وأعتقد أنه رغم وجود تدهور عام، فقد أصبحنا منوّمين مغناطيسيّاً، فلا نلاحظ القوى المقابلة في الشدّة، وهي قوى العقل والرشد والتحضّر، وإذا لاحظناها فسوف نستهين بها».
تقول «دوريس» ذلك، وتؤكده في كلّ مقالات كتابها، متسائلة تساؤل القادمين، ممن سيلاحظون عدم استفادتنا، ورغم تراكمِ سلوكنا، من هذا التراكم لتحسين حياتنا:
«إلى أيّ مدى، وبأيّ تواتر يسيطر علينا ماضينا الهمجي، كأفرادٍ وجماعات؟.
إنه ليس رأيها فحسب، ذلك أن من يقرأ التاريخ جيداً، ماضياً وحاضراً، سيوافقها الرأي لطالما، أنّى نظرنا في هذا العالم، نرى الرياء والغباء والتدهور الأخلاقي، بل والحروب والشرور والعنف والتوحش الهمجي.
كلّ ذلك رآه أيضاً، الفيلسوف الانكليزي «توماس هوبز» الذي كان يشعر، بأن الإنسان «بشع» و«همجي» لا يمكنه التعايش مع بني جنسه في سلام، إلا في وجود مجتمع وقواعد لكبح جماح شهواته وغرائزه البدائية.. رأى أيضاً، بل وصف شرور هذا الإنسان وأنانيّته وعدوانيّته وصراعاته اللا إنسانية:
«الإنسان للإنسانِ ذئب، والكلُّ في حربٍ ضد الكلّ، والواحد في حربٍ ضدّ المجموع، فلا فنون ولا آداب ولا مجتمع، بل ـ وهذا أسوأ الأحوال ـ خوفٌ مـتـواصـل، وخطر يهدد الإنسان بالموت العنيفِ، وحياة عزلةٍ وانزواءٍ وكراهية وبهيمية «..
لا تختلف نظرة الأديب والكاتب الفرنسي «إميل زولا» عمن ذكرناهما، فهو يرى أن الإنسان بطبيعته، يعجز عن العيش في وئامٍ كلّي داخلياً وخارجياً، ويرى أن سبب ذلك:
«ما ورثه الإنسان منذ آلاف السنين، جعله حيواناً مفترساً، يتّخذ من غرائزه الحيوانية أساساً لأفكاره، حتى الخير لديه يزول، بمجرّد مواجهته لصراعاتِ الحياة، حيث تظهر حقيقته الشريرة».
بيد أن الأدباء والعلماء والمفكرين، هم الأقدر على استقراء ومراقبة، كلّ ما ذكرناه ودفعهم، للبحث عن عالمٍ آخر، حتى وإن لم يكن له وجود إلا في خيالهم.. العالم المثالي الذي بحث عنه الفيلسوف اليوناني «أفلاطون» في كتابه «الجمهورية»، والفيلسوف «الفارابي» في «يوتوبيا أهل المدينة الفاضلة».
نعم، هو العالم المثالي الذي بحث عنه كثرٌ، وجميعهم حاكوا عالمهم بأخلاقياتٍ افتقدوها مثلما نفتقدها في حاضرنا، وأعتقد في مستقبلنا أيضاً، حاضر التقدّم التقني الذي أهدى العالم أسلحة دمارٍ تقوده إلى الفناء، والمستقبل الذي بات يقود، وعلى رأي الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي «إدغار موران»:
«التقدّم التقني يقود إلى مظاهر التقهقر والانحطاط الحديثة، ذلك أن الحضارة بلورت وحشية وهمجية حديثة، لها وجوه عقلانية وتقنية وعلمية، تسمح بحدوث الصراعات والحروب بفظاعةٍ وجنون».