الثورة _ لميس علي:
“في كوريا كلمة (إين- يون) تعني العناية الإلهية أو القدر، لكنها خاصة بالعلاقات بين الناس، أظنّها بوذية، يحدث الـ(إين-يون) إن سارغريبان بجانب بعضهما وتلامست ملابسهما، لأن هذا يعني أن بينهما قاسماً مشتركاً في حياتهما السابقة، إن تزوج شخصان يقال: إن هذا بسبب تواجد (8000) مستوى من (إين- يون) على مدار (8000) حياة”.
حوار يدور ما بين (يونغ نا، جريتا لي) وزميلها الكاتب (آرثر، جون ماغارو) في أول لقاء لهما معاً، والذي سيصبح زوجها.
الحوار الذي يشتمل على إحدى أكثر الأفكار أهمية، التي طرحها الفيلم الكوري (حيوات سابقة، Past lives) للمخرجة الكندية كورية الأصل وصاحبة النص أيضاً (سيلين سونغ).. أو تفرّعت عنها محاوره التي بقيت تدور في فلك (الحبّ).
في هذا الفيلم يبدو الحبّ كصندوق الأُحجيات.. أو صندوق الاحتمالات.. أو ربما العجائب والمفاجآت الملونة القادرة على منح حياتنا شيئاً من أطياف السعادة ولو إلى حين.
بمنتهى الشفافية والشاعرية تسرد كاميرا “سيلين سونغ” بعضاً من فصول سيرتها الذاتية..
ترويها وتراقبها كما لو أنها شاهدٌ على ما حدث في خلطة زمنية يتماهى ضمنها الزمن ثنائي التجلّيات (ماضياً وحاضراً)..
ولوهلة.. تشعر كمتابعٍ أن ما يسرده الفيلم يدور حول كل شيء وحول “لا شيء” بذات الوقت.. لهذه الدرجة يبدو الحبّ خفيفاً وطائراً بنا إلى أقصى سماواته.
تذهب حكاية (حيوات سابقة) إلى تلك التقاطعات التي يُحدِثها الحبّ في حياة ذويه..
كم هي قابلة للتحقق..؟
وكم يطول أمدها أو يقصر..؟
عبر السير بمحاذاة قصة الطفلين (سونغ هاي) و(يونغ نا) الفتاة الطموحة والعملية أكثر من صديقها بكثير. فهي تحلم أن تنال جائزة نوبل، وبلد مثل كوريا لن يصل بها إلى غايتها، فتهاجر مع عائلتها إلى كندا وتستقر نهاية في نيويورك.
بصدفة محضة على مواقع التواصل، تلتقي بصديق أو حبيب الطفولة “سونغ هاي” بعدما كان بحث عنها على فيسبوك.
هكذا يكون اللقاء “افتراضياً” بعد(12) سنة على الفراق..
لا يستمر طويلاً.. لأنها تسعى إلى حلمها وطموحها.. ليعودا للقاء الواقعي بعد(12) سنة أخرى في نيويورك حين يأتي “سونغ هاي” لرؤية صديقته التي احتفظ بحبّها طوال (24) عاماً.
وبسبب قدومه يحدث حوار بين “يونغ نا/نورا” وزوجها آرثر، فيه الكثير من القدرة على مواجهة أوجاع الحبّ من قبل آرثر.. التي يبدو أن “سونغ هاي” كان تعايش مع تلك الأوجاع طوال حياته لكن من زاوية رؤية مختلفة.
في مشهد يخبّئ الكثير.. وربما يختصر الحكاية، يلتقي الثلاثة في أحد المطاعم.. تضعهم المخرج “سيلين سونغ” بمواجهة بعضهم.. ويبدو أنها تضعنا نحن بمواجهة ثلاثة أوجه للحبّ..
أو ربما كان الحبّ ذاته بمواجهة نفسه..
فما الذي شعر به كل طرف بحضور الآخرين…
ما الأحاسيس التي اختبرها.. وتغلبت على سواها..؟
أثناء هذا اللقاء يتحدث “سونغ هاي” و”يونغ نا” باللغة الكورية، ويطرح عليها الكثير من احتمالات “ماذا لو..؟”..
فماذا لو بقيت في كوريا، على سبيل المثال.. هل كان لحبّهما فرصة بالاستمرار..؟
في تشعبات “ماذا لو؟” ينفتح الفيلم على جزئية خياراتنا في الحياة..
فما هي فرصة أن تكون خياراتنا “حرة”.. وما هي فرصة أن نحيا الحبّ الحقيقي أمام تحقيق خياراتنا وأحلامنا..؟
وماذا نختار حين نوضع بمواجهة ما بين الحبّ والهدف/الحلم..؟
في المشهد الختامي تذهب “نورا/يونج نا” مع “سونج هاي” الى موقع التكسي التي ستنقله الى المطار وتعود مشياً الى بيتها حيث ينتظرها زوجها آرثر.. تبكي حين رؤيته وكأنها كانت تبكي لأنها ودعت “يونغ نا” الطفلة التي كانتها.. لأنها ستختفي بمضي “سونغ هاي”.. وبالتالي هي تودع جذورها وربما أصلها هويتها.
يذكر أن فيلم “حيوات سابقة” ضمن قائمة الترشيحات لجائزة أفضل فيلم في أوسكار 2024.
