الملحق الثقافي- وفاء يونس:
نشأته وحياته
ولد عبد الكريم اليافي في مدينة (حمص) سنة 1919م، وتلقى دروسه الابتدائية في مدارسها الرسمية، وكان خلال ذلك يتردد إلى أئمة هذه المدينة فيدرس عليهم القرآن والحديث وقواعد اللغة العربية.
وفي سنة 1935م نال شهادة الدراسة الثانوية-فرع الرياضيات، فكان الأولَ في سورية. ثم انتسب إلى كلية الطب في (جامعة دمشق)، فدرَس فيها سنتين، ثم توقَّف عن متابعة الدراسة فيها بسبب إيفاده إلى فرنسا، فسافر أواخر سنة 1937م والتحق بـ(جامعة السوربون) ودرَس الرياضيات والعلوم الطبيعية والفيزياء، ونال الإجازة في العلوم الرياضية والطبيعية سنة 1940م. وحالت الحرب العالمية الثانية دون عودته إلى الوطن، فانتسب إلى (كلية الآداب) بـ(جامعة السوربون) ودرَس علم المنطق وعلم النفس وعلم الاجتماع والأخلاق، وحصل على إجازة الآداب سنة 1941م، ثم الدكتوراه في الفلسفة سنة 1945م.
ولما عاد اليافي إلى سورية عُين مدرّسًا في ثانويات حمص، ثم انتقل سنة 1947م إلى دمشق وانضم إلى هيئة التدريس في (كلية الآداب – قسم الفلسفة) بجامعة دمشق، فدرَّس في هذه الكلية – وفي غيرها من كليات الجامعة – علمَ الاجتماع، وعلم الجمال، وفلسفة العلوم، والمنطق، وتاريخ العلوم، وأصول تدريس الفيزياء والكيمياء، وعلم النفس، والإحصاء الحيوي.
وفي سنة 1974م سُمّي اليافي خبيرًا أولَ في علم السكان لمركز الديمغرافية في معهد العلوم الاجتماعية بالجامعة اللبنانية في بيروت، وظل يشغل هذا المنصب سنتين، عاد بعدها إلى جامعة دمشق. وعُين رئيسًا لهيئة (معجم العماد الموسوعي في اللغة والعلوم والفنون والأعلام).
عضوية اللجان والجمعيات والمجالس:
اللجنة الثقافية الوطنية التابعة لليونسكو.
لجنة معهد العلوم الجنائية والاجتماعية بالقاهرة.
لجنة النشر العلمي في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية.
الاتحاد العالمي للدراسة العلمية للسكان.
جمعية البحوث والدراسات.
المجلس الأعلى للآثار في وزارة الثقافة.
الأوسمة والجوائز
وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة.
جائزة الدولة عن كتابه (دراسات فنية في الأدب العربي).
توفي الدكتور عبد الكريم اليافي يوم السبت في 12 شوال 1429هـ الموافق 11 تشرين الأول 2008م.
الدكتور عبد الكريم اليافي المجمعي
انتُخب الدكتور عبد الكريم اليافي عضوًا عاملًا في مجمع اللغة العربية بدمشق في 2 أيلول 1976م خلفًا للدكتور سامي الدهان، وصدر مرسوم تعيينه في 30 كانون الأول 1976م، وأقيمت حفلة استقباله بتاريخ 5 أيار 1977م.
شارك الدكتور اليافي أعضاء المجمع في أعمال (لجنة ألفاظ الحضارة)، و(لجنة المخطوطات وإحياء التراث)، و(لجنة اللغة العربية والأصول)، و(لجنة المصطلحات)، و(لجنة تنسيق المصطلحات وتوحيدها)، و(لجنة مطبوعات المجمع ومخطوطات دار الكتب الظاهرية)، و(لجنة مشروع تعريب الرموز العلمية للمرحلة الجامعية في مواد الرياضيات والفيزياء والكيمياء).
شارك الدكتور عبد الكريم اليافي في أعمال:
ندوة (معجم النفط) سنة 1994م، وناقش فيها مصطلحات (معجم النفط).
ندوة (إقرار منهجية موحدة لوضع المصطلح العلمي العربي وتوحيده وإشاعته) سنة 1999م، وألقى فيها محاضرة بعنوان (تأملات في مصطلحات علم السكان).
نشر في مجلة المجمع 31 مقالًا في المدة (1977 – 2009م) ضمَّنها بحوثه وتعقيباته وتراجمه وتحقيقاته ومحاضراته وتأملاته وكلماته.
وألقى في المجمع محاضرة بعنوان (تأملات في التحقيق واللغة) سنة 1998م.
وفي سنة 1992م رشَّحه المجمع لنيل جائزة الملك فيصل.
من آثاره
أولًا: الكتب
تمهيد في علم الاجتماع، الجامعة السورية، دمشق، ط3، 1957م، جامعة دمشق، ط4، 1964م.
كتاب في علم السكان، دمشق، 1959م، مطبعة جامعة دمشق، 1966م، 1991م.
المجتمع العربي ومقاييس السكان، معهد الدراسات العربية العالية، القاهرة، 1963م، دمشق، ط2، 1966م.
دراسات فنية في الأدب العربي، جامعة دمشق، 1963م، 1972م، مكتبة لبنان ناشرون، 1996م.
تقدم العلم: الفيزياء الحديثة والفلسفة، دمشق، 1964، دار طلاس، دمشق، 2004م.
دراسات اجتماعية ونفسية، مطبعة جامعة دمشق، 1964م.
شموع وقناديل في الشعر العربي، جامعة دمشق، 1964م.
العلم والنزعة الإنسانية (ترجمة)، دمشق، 1964م.
فصول في المجتمع والنفس، دمشق، 1974م.
جدلية أبي تمام، دار الجاحظ للنشر، بغداد، 1980م.
معالم فكرية في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، دمشق، 1982م.
معجم مصطلحات التنمية الاجتماعية والعلوم المتصلة بها، جامعة الدول العربية، القاهرة، 1983م.
بدائع الحكمة: فصول في الجمال وفلسفة الفن، دار طلاس، دمشق، 1999م.
شجون فنية: بحوث في علم الجمال التطبيقي، دار طلاس، 2000م.
الشيرازيون الثلاثة ومقالات أخرى، المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، 2000م.
حصاد الظلال (ديوان شعر)، وزارة الثقافة، دمشق، 2001م.
حوار البيروني وابن سينا، دار الفكر، دمشق، 2002م.
مباهج اللغة والأدب: دراسات لغوية أدبية علمية، وزارة الثقافة، دمشق، 2003م.
ثانيًا: المقالات
نشر الدكتور عبد الكريم اليافي قرابة 70 مقالًا في (مجلة التراث العربي)، و(مجلة آفاق الثقافة والتراث)، و(مجلة الآداب)، و(مجلة الآداب العالمية)، و(مجلة الأديب)، و(مجلة الثقافة-مدحة عكاش)، و(مجلة المعرفة)، و(مجلة عالم الفكر).
مباهج اللغة والأدب كما يراها عبد الكريم اليافي
يرى الناقد آصف إبراهيم في هذا المقال أن الكثيرين يشككون في صلاحية اللغة العربية وقوتها وقدرتها على مواكبة العصر رغم استيعابها في الماضي لكل علوم الأرض، وحوار العلماء وأخيلة الأدباء وفلسفة الحكماء وظرف الظرفاء وتفاوت الآراء.. ومختلف الثقافات وشتى الاتجاهات.
وقد فنّد الدكتور عبد الكريم اليافي الكثير من هذه الاتهامات في كتابه «مباهج اللغة والأدب» الصادر عن وزارة الثقافة، مؤكداً على مزايا اللغة العربية في مواكبة العلوم والبحوث الواسعة والآداب ونجوى العشاق ولوعة الفراق، حيث يشتمل الكتاب على مجموعة دراسات وبحوث متنوعة تغوص في عمق اللغة والأدب العربيين وتستخرج كنوزها الدفينة. يبدأ الكتاب ببحث عن مكانة اللغة العربية ومشكلات الترجمة والتعريب والتأليف الذاتية.يدرس مشكلات التعريب والترجمة وحلها الكامن،برأي الباحث، في اتقان اللغة الفصحى السليمة والتدريس بها في جميع المراحل،والتخلي كلياً عن العامية التي لا إملاء لها ولا قواعد والابتعاد عن تيسير اللغة العربية وتسهيل أصولها من نحو وصرف لأنه يؤدي الى التردي والتراخي والتفاهة والركاكة، ويؤثر المؤلف الصعوبة والعقبات لأنها تشحذ العزائم وتشد الانتباه وتتحدى الإرادة المتوثبة، وباعتماد التراث العربي الأصيل بميادينه المختلفة وعلومه الزاخرة المتفاوتة.
ويستفيض الدكتور اليافي بتناول مشاريع تعريب العرب للعلوم في الحضارة العربية الإسلامية ودور تعريب التعليم العالي في القضاء على الاستلاب الثقافي وعلى الشعور بالتبعية والعجز عن الإبداع، وفي تطوير اللغة العربية وتجديدها وتحقيق قدرتها الكاملة على استيعاب العلوم الحديثة من خلال إثرائها بالمصطلحات الحديثة وبث حركة الحياة الجديدة في أوصالها.
ودور تعريب التعليم العالي أيضاً في نشر اللغة العربية والعلم العربي والثقافة خارج إطار الوطن العربي، ولاسيما في البلاد الإسلامية، وفي توليد نظرة حضارية عربية واحدة أصيلة وحديثة ودوره، أيضاً في رفع الدراسات العليا وفي إعداد الهيئة التدريسية الجامعية إعداداً ملائماً لحاجات الوطن العربي وفي الحد من عدد البعثات العلمية إلى الخارج ومن هجرة الكفايات العلمية.
ومن جهة أخرى يحذر الدكتور اليافي من مخاطر الغزو الثقافي الأجنبي الذي يمكن أن يتسلل خلال التعريب، فالمهم بالنسبة له نقل العلوم الأجنبية الحديثة إلى اللغة العربية، وتعليمها والتأليف فيها بلغة عربية مبينة سليمة حتى يتهيأ البحث والتفكير والكتابة في المستقبل القريب بهذه اللغة التي كانت مضيئة الفكر العالمي أحقاباً طوالاً في الغابر.
ويفرد الدكتور اليافي حيزاً واسعاً للأبجدية العربية وأسرارها وحساب الجمل والتصحيف، حيث كانت الأبجدية العربية في بداياتها تتألف من اثنتين وعشرين حرفاً، ثم ميز في الاصوات ستة حروف أخرى ضمت إليها، وحروف اللغة العربية تحصرها ثمانية ألفاظ هي الأبجدية العربية وهي :« أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت، تخذ، ضظغ.»ولحروف التهجي في اللغة العربية اعتبارات شتى وأقسام متعددة بحسب ميادين الاستعمال المختلفة، وألوان الفلسفات المتنوعة، واتجاهات المواقف المتفاوتة، وهذا التفاوت والتنوع والاختلاف يهب للحروف العربية طاقات كثيرة في الدلالات، واحتمالات الإشارات، وإمكانات التعبير الواضح، أو التعبير الغامض، أو مدى التوافق والتغاير، لا وجود لأمثالها في لغات العالم.
وبالنسبة لحساب الجمل: فهو حساب الحروف الهجائية المجموعة في الأبجدية أي أبجد وما يليها،وهو يبتدىء من الهمزة إلى الطاء والآحاد (والآحاد من الواحد إلى التسعة) ومن الباء إلى الصاد بالعشرات (وهي من العشرة إلى التسعين)، ومن القاف إلى الغين المعجمة أي المنقوطة بالمئات (وهي من المئة إلى الألف) ويقال لحساب الجمل أيضاً حساب الأبجدية.
ويتناول الدكتور اليافي مشكلات الكتاب التراثي في سورية تبعاً لمراحل الكتاب الثلاث: – الكتاب التراثي المخطوط والمحفوظ في بعض المكتبات والخزائن الخاصة -الكتاب التراثي قيد التحقيق والنشر – الكتاب الذاتي المطبوع المنشور. ومشكلة الكتاب التراثي، كما يراها المؤلف،تنحصر في لزوم فهرسة المخطوطات وحمايتها من مغبات الإهمال والضياع والتلف والمتاجرة، وحاجته إلى اكتمال الفهرسة، وإلى التجميع ما أمكن والصيانة والتعهد، وإلى التصوير خشية التلف والضياع.
ويتطرق الدكتور اليافي إلى مفاتن نجد الشعرية التي جاء ذكرها في الكثير من الأشعار القديمة. وهي هضبة مترامية الأطراف في الجزيرة العربية، تقع بين صحراء النفوذ في الشمال والربع الخالي في الجنوب، وبين الحجاز غرباً والإحساء شرقاً، ينخفض ارتفاعها بالتدريج من الغرب إلى الشرق، رملية في بعض الجهات بركانية في جهات أخرى تضم بين أرجائها واحات خضراء وأودية تسيل إذا أمطرت السماء، تنبت فيها الزروع والأزاهير والرياحين إلى جانب ما قد علا وورف من مختلف الأشجار، ومتباين الجنبات مثمرة وغير مثمرة.
هي بلد المهلهل بن ربيعة وأوس بن حجر، وزهير بن أبي سلمى، وامرىء القيس، وطرفة بن العبد، ولبيد بن ربيعة،والحارث بن حلزة، وعبيد بن الأبرص، وعنترة بن شداد،والمتلمس، وأعشى باهله، وبشر بن أبي خازم، وعروة بن الورد، ودريد بن الصمة، والطرماح، وعامر بن الطفيل، والعباس بن مرداس، وعلقمة بن عبدة، وتميم بن مقبل، وزيد الخيل، والخنساء، والحطيئة، والفرزدق وحاتم الطائي وغيرهم.
وتقرأ عن الأمثال الشعبية ومكانتها وحقيقتها البلاغية، ومنشئها وصلتها بالحياة حيث يعدها من الأدب الشعبي الذي يشتمل على السير الشعبية والأمثال أو الأقوال الموجزة التي تتضمن حكماً بليغة أو تجارب إنسانية مفيدة، أو تعطي قواعد للتصرف والسلوك.
وقد تكون الأقوال متضاربة ومتناقضة، وذلك التناقض حروف الحياة وتضاربها وتفاوت تجارب الإنسان نجاحاً أو إخفاقاً واختلاف نزواته النفسية وتباين أحواله الاجتماعية، ولكن كل مثل من الأمثال، أو حكمة من الحكم يصلح لمناسبة معيشة ولحالة عارضة خاصة تشبه الحال الأولى التي قيل فيها المثل وتطابقها شيئاً من المطابقة.
والأمثال شائعة عند جميع الأمم قديمها وحديثها. والعربية القديمة منها كانت في الأصل من الأدب الشعبي، ولكنها التقطت من أفواه العرب وسجلت في الكتب الأدبية واللغوية فيما سجل من الألفاظ والأشعار والأقوال والحكم والخطب والروايات وأشباهها، فأصبحت الآن من الأدب «الإتباعي» ومن الفنون الأدبية التي تدرس في المدارس، وفي أقسام اللغة والأدب العربيين من الجامعات كما تتخذ موضوعاً من موضوعات الدراسات النفسية والاجتماعية وغيرها. ويتضمن الكتاب دراسة لكتاب المرتجل في شرح القلادة السمطية في توشيح الدريدية، حيث يعرف بمؤلف كتاب « المرتجل» الحسن بن محمد الصفاني، وبين موضوع الكتاب ويعرف بالمقصورة الدريدية وبمؤلفها أبي بكر بن دريد. ويعرف التخميس والتشطير في العروض وهو أن يأخذ الشاعر بيتاً لسواه فينظم ثلاثة أشطر تلائم في الوزن والقافية صدر ذلك البيت، جاعلاً إياها قبلة، وسمي ذلك تخميساً لأن الشطور تغدو خمسة، ويقال له التسميط.
العدد 1179 – 27 -2 -2024