فؤاد مسعد
مما لا شك فيه أن وتيرة إنتاج الأفلام الموجهة للأطفال ارتفعت خلال السنوات الأخيرة، خاصة على صعيد الفيلم القصير الذي تبقى عملية إنتاجه أسهل من إنتاج الفيلم الطويل، الأمرالذي أفرز مجموعة من التجارب التي تحاكي عالم الطفل في العديد من مناحي الحياة، في محاولة إلى الغوص في تفاصيل حياته وملامسة قضايا يعيشها ويتعرض لها.
وقد دأبت المؤسسة العامة للسينما على الاهتمام بهذا الجانب، إن كان عبر أفلام الهواة أو الأفلام الاحترافية، ونال العديد منها جوائز داخل وخارج سورية، وإن أخذت تيمة عمالة الأطفال حيزاً أكبر في الموضوعات المطروحة، إلا أن العديد من المحاور الأخرى تمّ تناولها في سعي إلى التنوع، ويبقى عالم الطفولة ثرّاً وغنياً بالتفاصيل ويضج بالحياة، فهو معين لا ينضب يمكن أن تُغرَف منه أفكار كثيرة تحمل أهميتها لتكون نواة أفلام طويلة وقصيرة على حدّ سواء.
واليوم الدعوة مفتوحة أمام القطاعين العام والخاص لإعطاء هذه الأفلام مساحة أكبر، فالطفل يستحق كلّ الاهتمام، وأن يتم التوجه إليه بوعي ودراية ومسؤولية عبر أعمال إبداعية تحمل تميزها. خاصة أن لدينا ذخيرة من الأطفال الموهوبين الذين أثبتوا قدرة عالية على التمثيل وتجسيد مختلف الحالات الإنسانية والنفسية .
ولكن ما الصعوبات التي تعترض إنجاز هذه الأفلام؟ وأين تكمن أهمية حضورها على خارطة الإنتاج السينمائي السوري؟ وهل نمتلك المقومات المناسبة لإنتاجها؟ وما مواصفات الفيلم الذي يمكنه الوصول إلى الأطفال وملامستهم بشكل حقيقي؟..
عديدة هي التساؤلات التي توجهنا بها إلى مبدعين خاضوا التجربة، وجاءت الحصيلة عبر السطور التالية:
مكتبة مرئية
يحمل المخرج أيهم عرسان مخزوناً ثراً فيما يتعلق بالأفلام السينمائية الموجهة للأطفال، فسبق له إنجاز ثلاثة أفلام قصيرة كتابةً وإخراجاً، سعى من خلالها إلى تناول موضوعات متنوعة تلامس بكثيرمن الدقة والدفء حياة هذه الشريحة العمرية، تلك الأفلام هي “حلم، جواد، زاوية صعبة”، وسبق أن نال فيلم “جواد” جائزتين في مهرجان مزدة الدولي للأفلام القصيرة العام الماضي.
حول أهمية التوجه للطفل من خلال فيلم سينمائي، يقول: “أعتقد أنه من المهم جداً التوجه إلى الطفل السوري سينمائياً وتلفزيونياً عبر أعمال تقارب وعيه وظروفه والتحديات التي يواجهها، فمن غير السليم أن يُترك مستلباً ومتأثراً بالثقافات الأخرى من خلال الأعمال التي تُقدم إليه. وأرى أن هذه المهمة لابدّ أن تكون من أولويات جهات الإنتاج في القطاع العام، في ظلّ غياب أو انصراف القطاع الخاص عن هذا النوع من الأعمال. وبالتالي من الضروري وجود مثل هذه الأعمال واستمرارها، واقترح أن يكون ذلك ضمن مشروع يتم تبنيه، ليكون لدينا سينما وأعمال درامية للأطفال حتى على صعيد الدراما التلفزيونية والإذاعية، لنتخلص من فكرة الأعمال المستوردة، ويكون لدينا مُنتَج نتوجه من خلاله إلى الطفل، والمأمول أن ينتقل الاهتمام بهذا المجال من مجرد التصريحات إلى الفعل والإنتاج، وأن يكون هناك مكتبة مرئية سينمائية وتلفزيونية ترقى لذكاء طفلنا وذائقته” .
صعوبات وآمال
حول الصعوبات التي تواجه إنجاز مثل هذه الأفلام يؤكد عرسان أنها نوعان: صعوبات إبداعية تتجلى في خصوصية الكتابة للطفل ومن ثم إخراج عمل موجه إليه، خاصة أن المسألة دقيقة وتحتاج إلى جهد كبيرفي البحث عن طرق المعالجة الدرامية المناسبة للفئة العمرية التي يتوجه إليها العمل، والنأي عن الوعظ في المخاطبة، وإيجاد طرق أُخرى للوصول إلى وعي الطفل وإيصال العبرة أو الرسالة التي أنجز العمل من أجلها.
أما النوع الثاني: من الصعوبات فيرى أنها إنتاجية تتعلق بالتمويل وإيجاد الفرص للإنتاج، مما يتطلب قرارات بهذا الخصوص تتيح حصصاً إنتاجية لهذا النوع من الأعمال التي يمكن أن تكون رابحة ومجدية تجارياً، ولكن الأهم أن تكون موجودة لضرورتها الحيوية .
وعن مدى امتلاكنا المقومات المناسبة لإنجازهذه الأفلام، يقول: نمتلك المقومات لذلك، فلدينا عدد جيد من المبدعين كتاباً ومخرجين، وممثلين أطفالاً وكباراً، ولكن ما نفتقر إليه هو التمويل لمثل هذه الأعمال وطرق الوصول إلى الجمهور المستهدف، سواء من خلال صالات العرض السينمائية أم مراكز العرض الثقافية أم حتى العروض المدرسية .
خارطة إنتاجية
المخرج محمد سمير طحان الذي دأب على تحقيق مشروعه في مجال سينما الأطفال محققاً من خلاله مجموعة من الأفلام تأليفاً وإخراجاً، هي “إشارة حمرا، رائد فضاء، قضبان المدينة، أماني، بوظة، نجمة”، ساعياً إلى التنويع في الموضوعات المطروحة، أشار في بداية حديثه إلى مكانة الفيلم الموجه للطفل اليوم على خارطة الإنتاج السينمائي السوري، قال:
عندما نتحدث عن السينما في سورية فإننا نتحدث عن إنتاجات المؤسسة العامة للسينما في ظلّ غياب شبه كامل للإنتاج السينمائي الخاص، وقد شهدت السينما السورية خلال سنوات الحرب نهضة ملحوظة في عدد الأفلام المنتجة سنوياً، خاصة مع مشروع دعم سينما الشباب ودبلوم العلوم السينمائية، بالإضافة للأفلام الاحترافية. هذه الزيادة في عدد الأفلام ومع إلحاح قضايا مرتبطة بإرهاصات الحرب ومخلفاتها على الإنسان والمجتمع انعكست إيجابياً على زيادة عدد الأفلام المعنية بقضايا الطفل. ونذكر أيضاً مسابقة نصوص الأفلام المعنية بسينما الطفل التي أطلقتها المؤسسة عام ٢٠١٥، فيمكننا اليوم أن ندعي وجود خارطة لإنتاجات سينما الطفل والانتقال من الكم الى النوع عبر تراكم الخبرات والتجارب لدى الكتاب والمخرجين الشباب وهذا لابدّ سينتج أفلاماً بسوية فنية وفكرية جيدة سيتم رصد أثرها على الطفل والمجتمع مستقبلاً.
التأثير بالأطفال
حول مواصفات الفيلم الذي يمكنّه الوصول إلى الأطفال والتأثير بهم، يؤكد طحان أن صناعة عمل درامي سينمائي أو تلفزيوني موجه للطفل أو معني بقضاياه هو أمر ليس بالسهل، ويتطلب عدة عوامل ليُكتب له النجاح .
وعن عوامل نجاحه، يقول: العامل الأول لنجاح العمل الموجه للطفل هو النص الجيد الذي يحاكي عالمه ويطرح أفكاره وأحلامه دون تعالٍ أو قصور. وهنا على الكاتب الغوص في هذا العالم ليكتشف أسراره وتفاصيله الكثيرة والغنية بالتفاصيل، شرط ألا يهبط بمستواه لمستوى الطفل، لأن الأطفال أشخاص مكتملوالرؤية والإحساس، ولكن الكتابة بشروط وقوانين عالمهم وليس عالم الكبار، ولعل التقاط الثيمات الفنية الإبداعية هوالركيزة الأساسية لبناء نص متين وجيد يلامس هذا العالم ويعبرعنه بصدق وعفوية وإخلاص وحبّ.
ويشير إلى أنه يأتي بعد ذلك توفرجهة إنتاج واعية تتبنى العمل، وتقتنع بأهميته وضرورته لتأمين كلّ مستلزمات إنتاجه، واعتباره استثماراً فنياً وثقافياً رابحاً، يقول: “ينبغي الإشارة إلى عدم وجود هذه العقلية حالياً لدى شركات الإنتاج التي لاتزال قاصرة في رؤيتها حول أهمية هذا الاستثمارالفني والثقافي، لأن غالبيتها منفذة للأعمال التي تطلبها أو تنتجها جهات عربية غير سورية، فهي لا تمتلك زمام أمرها أو خطّتها الخاصة ضمن رؤية فنية لمستقبل صناعة الدراما السورية”. ويؤكد في نهاية كلامه على أهمية وجود قنوات سورية معنية بالطفل، تمتلك رؤية واعية لمستقبل هذه الصناعة الدرامية المهمة، التي يمكن الاستثمار فيها وتسويقها لكلّ الوطن العربي.
البطولة بعمر صغير
سليمان أحمد الطفل الذي شارك في ثلاثة أفلام سينمائية قصير موجهة للطفل، بات اليوم شاباً في الصف الثالث الثانوي، وسبق له نيل جائزة في مهرجان مزدة الدولي للأفلام القصيرة عن فيلم “جواد”، وجائزة أفضل ممثل طفل في مهرجان سينما المرأة والطفل في سلطنة عمان بدورته الأولى، وجائزة التشخيص الذكوري في المهرجان الدولي لسينما الواحة في المغرب،
وذلك عن دوره في فيلم “فوتوغراف” الذي حصد العديد من الجوائز.
حول تجربته في التمثيل والدافع وراء مشاركته في أفلام سينمائية، يقول: ليس هناك دافع محدد ولكن أتتني فرصة المشاركة الأولى في فيلم “حلم” إخراج أيهم عرسان، وتوالت بعدها الفرص إلى أن أتاني دوربطولة في فيلم “فوتوغراف” إخراج المهند كلثوم، وبعده فيلم “جواد” للمخرج أيهم عرسان، واستطعت إثبات ذاتي أمام عائلتي وأصدقائي بانتقائي أدوار بطولة رغم صغر سني في تلك الفترة.” ويصف التجربة بالرائعة، وبأن أجواء التصوير جميلة، ولكن لا يخلو الأمر من التعب والإرهاق الجسدي وأحياناً النفسي، خاصة في فصل الصيف.
وعما إن استطاع الوصول إلى أقرانه من المشاهدين عبر ما قدم، يقول: أعتقد أنني من حيث الأداء استطعت الوصول إليهم بشكل ممتاز، لسببين الأول :تقارب العمر، والثاني :الأحداث الواقعية التي قدمناها في الأفلام. فعلى سبيل المثال الشعورالذي جسدته عبر شخصيتي في فيلم “فوتوغراف” الذي تحدث عن الحرب وعمالة الأطفال من المؤكد أنه سيصل إليهم لأننا عشنا هذه اللحظات فعلاً .