بين الحقيقة ونصفها «الفارغ»…

ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير- علي قاسم :
لا يحتاج الأمر إلى تسجيلات ألمانية وأميركية حتى يتم إثبات دعم تركيا للإرهاب والتنظيمات الإرهابية، ولا إلى تسجيلات صوتية لإثبات أن أردوغان أصدر أوامره بتزويد الإرهابيين بالسلاح، خصوصاً بعد معطيات ووقائع كانت كافية منذ وقت طويل لمن يريد أن يرى أو يسمع.

لكنه قد يكون من باب الاستباق الإخباري في إطار عملية الترويج, أو ربما التفسير لما قاله بايدن قبل اعتذاراته، وربما لما جاء بعدها أيضاً، بدليل أن تلك التسريبات والتصويبات الخارجة من مصادر القرار الاستخباراتي, قد فتحت الكثير من أبوابها الموصدة، والعديد من نوافذها الخلفية أمام سيل من المعلومات التي باتت إحدى المسلمات المعمول بها في الغرب، من باب الاعتياد حول تمويل الإرهاب والدول الضالعة في ذلك.‏

هذه التسريبات وحتى الوثائق التي تحتفظ بها الحكومات الغربية، لا تشكل في الواقع أكثر من ربع الحقيقة، وفي أفضل الأحول نصفها، وما تبقى يتوزع بين مقياس الأخذ به سياسياً لدى تلك الحكومات وصانعي القرار الغربي، وبين الإفراج عنها في الوقت بدل من الضائع الذي لا ينفع في شيء أو لا يراد له أن ينفع أبداً.‏

فالواقع العملي يقول إن الغرب لا يريد أن يأخذ بها ويعتمدها وفق جدلية النصف الفارغ أو المملوء من الكأس، فحين يريد أن يوظفها ينظر إلى ما هو مملوء، وحين يريد أن تميّع القصة، أو يستخدمها للابتزاز السياسي حين الحاجة فإنه على الأغلب لا يرى إلا النصف الفارغ.‏

هكذا كان الأمر على مدى قرابة أربع سنين، حين لم تر أميركا ومن حالفها من الأوروبيين إلا النصف الفارغ من الكأس، ولم يتجرأ مسؤول غربي واحد على الحديث عما يجري في المطارات التركية، ولا فوق أراضيها التي غرَّب فيها الإرهابيون، وشرَّقوا أمام أعين الاستخبارات الغربية، ناهيك عن معسكرات التدريب وخلايا التجنيد التي امتدت حتى المدن الأوروبية ومراكز قياداتها المتحركة حسب الحاجة والطلب، والأمر ذاته ينسحب على عمليات التمويل التي كانت تجري علنا وأمام حالة من الرصد المسبق والتفصيلي من قبل أجهزة غربية تعمل في مشيخات الخليج منذ عقود لمراقبة حركة التحويلات المالية.‏

المعادلة ذاتها تنطبق على الموقف الغربي من الإرهاب بما فيه التحالف الأميركي لمواجهة داعش، فجزء من الحقيقة يريد مكافحة الإرهاب لأسبابه الذاتية ومخاوفه من رحلة عودة الإرهابيين، فيما الجزء الأكبر المغيَّب أن الغرب يلعب في مساحة من فائض النفاق وأن الضربات ضد داعش مثلاً تتم بعد إعلام مسبق إن لم يكن من قبلها مباشرة، فعبر وكلائها المعتمدين السابقين وحتى الحاليين المكلفين برعاية التنظيم في التمويل والتدريب والاحتضان.‏

ما غاب عن ذهن الكثيرين أن الحقائق لا تتجزأ، ونصف الحقيقة إن توافر لا يعني بأي حال من الأحوال أننا نخطو نحو معرفة الحقيقة، بقدر ما يعكس وفق المنطق الغربي ابتعاداً عنها وتعمية عليها وتراجعاً إلى الوراء، وليس تقدماً نحو الأمام، والأخطر أن النصف الأول من الحقيقة يستخدم اليوم للاستمرار في فائض النفاق الغربي القائم في استراتيجية أميركا لمكافحة الإرهاب، فيما الثاني يراد له أن يبقى مدفوناً كي تبقى الحقيقة ملتوية ومن دون عنق أو رأس، ولا حتى ذيل إن اقتضى الأمر.‏

بهذا المعيار لا معنى لخبر يتسرب بين الفينة والأخرى عن امتلاك وثيقة هنا أو هناك.. عن دور تركيا أو مشيخات الخليج في دعم الإرهاب وتمويله واحتضانه، والأمر ذاته ينسحب أيضا على اعترافات القادة الغربيين وتصريحات الكثير من المسؤولين عن دور تركي أو أردني أو سعودي أو قطري، وخصوصاً ذاك الذي ينسحب في اليوم التالي.‏

الوثائق الألمانية تتشابه مع الأميركية، حالها في ذلك حال الاعتذارات التي أطلقها بايدن، والتي سبقها اعتذار ألماني لقطر بعد تصريحات وزير الخارجية الألماني عن دور قطر في دعم داعش وغيرها، والحالتان تتشابهان في الشكل والمضمون، بين حقيقة كاملة ستبقى غائبة إلى أمد آخر.. ونصف حقيقة مبتورة وناقصة تظهر وسرعان ما يتم الاعتذار عنها، أو تبقى لضرورات الاستهلاك الإعلامي ومقتضيات النفاق الغربي، وورقة ابتزاز صالحة للمساومة في بازار النخاسة الدولية للحقيقة بمرارتها الحاضرة أو تلك الغائبة.‏

 

a.ka667@yahoo.com

آخر الأخبار
المئات من أهالي العنازة بريف بانياس يقولون كلمتهم: سوريا واحدة موحدة ويجمعنا حب الوطن مشاركة لافتة للمغتربين في "كيم أكسبو".. أثبتوا جدارتهم في السوق الدولية فرنسا تلغي مذكرة التوقيف بحق المخلوع  الأسد وسط تصاعد المطالبات بالمحاسبة الدولية فعاليات من اللاذقية لـ"الثورة": سيادة القانون والعدالة من أهم مرتكزات السلم الأهلي وزير الاستثمار السعودي يطلع على الموروث الحضاري في متحف دمشق الوطني مذكرة تفاهم سياحي بين اتحاد العمال وشركة "لو بارك كونكورد" السعودية كهرباء ريف دمشق تتابع إصلاح الأعطال خلال يوم العطلة وزير الاستثمار السعودي يزور المسجد الأموي محافظ درعا: استقبلنا نحو 35 ألف مهجر من السويداء ونعمل على توفير المستلزمات باريس تحتضن اجتماعاً سورياً فرنسياً أمريكياً يدعم مسار الانتقال السياسي والاستقرار في سوريا فيصل القاسم يدعو إلى نبذ التحريض والتجييش الإعلامي: كفانا وقوداً في صراعات الآخرين الحفاظ على السلم الأهلي واجب وطني.. والعبث به خيانة لا تغتفر  الأمن الداخلي يُجلي عائلة أردنية علقت في السويداء أثناء زيارة لأقاربها "الصمت الرقمي".. كيف غيّرت وسائل التواصل شكل الأسرة الحديثة؟  عودة اللاجئين السوريين.. تحديات الواقع ومسارات الحل  نائبة أميركية تدعو لإنهاء "الإبادة الجماعية" في غزة وئام وهاب… دعوات للعنف والتحريض الطائفي تحت مجهر القانون السوري الأمم المتحدة ترحب برفع العقوبات عن سوريا وتعتبرها خطوة حاسمة لتعافي البلاد الاستثمار السعودي حياة جديدة للسوريين ..  مشاريع استراتيجية لإحياء العاصمة دمشق  الباحثة نورهان الكردي لـ "الثورة": الاستثمارات السعودية  شريان حياة اقتصادي لسوريا