الملحق الثقافي- ألوان عبد الهادي:
اعتمدت الكاتبة فنتازيا جديدة بأسلوب فني جديد للرواية.. اخترقت فيه وخرجت عن كل مقومات الرواية المعتادة التي نعرفها. الأسلوب الكلاسيكي السردي_ الخطف خلفاً_ الرمزي والسريالي وو… قد يكون ذلك فتحاً جديداً لحالة إبداعية جديدة ومباركة في عالم الرواية.
كما سبق لغيرها من الأجناس الأدبية والأساليب الفنية كقصيدة النثر.. مثل الشاعر نزار قباني الذي خرج عن المألوف في الكتابة الشعرية الخليلية وأطلق القصيدة من كل المعايير التي أعطتها قوامها الكلاسيكي لتلبس حلة جديدة وقواماً جديداً ترك هزة أدبية في الأوساط العربية.
ونحن اليوم أيضاً أمام هزات أخرى في أجناس أدبية مثل القصة القصيرة ق ق ج التي أخذت معطفاً آخر في عالم القصة وكذلك الومضة والرواية، والروائية هنا في روايتها جنوب الكهف بقليل انتحت أسلوباً مغايراً نتج حصيلة المعطيات المعاصرة والمغايرة لزمن مضى لايلبي الغرض، لتعكس حالة اجتماعية جديدة ومعينة مختلفة عما سبق، قد يكون محورها السرعة في التعاطي مع الحدث والتكثيف الذي يقصد منه المواربة في تحقيق الهدف وما سواه من خوف وريبة، الصدق في تدوين ماتراه الكاتبة بحاجة لتدوين من أحداث خارقة، وتريد أن تحدد البؤرة الأساسية للأحداث ولكن بطريقة غير مألوفة ومذهلة تتناسب والأحداث بعيداً كل البعد عن الجو العام حيث التفاصيل التي تريد توضيحها لتدخل في فصل وتخرج إلى آخر وتظل تدور، مما يؤكد صدقها في التعاطي مع الحدث الذي تشير إليه في بعض الفصول بالهجرة، هجرة الأبناء في سورية أثناء الحرب وكذلك مفتاح الدار الذي لن يجد من يحمله في المستقبل القريب ترمز للخراب والدمار في سورية بإحدى الحوارات المضنة بعض الشيء في الرواية وكأنها تأخذ على عاتقها طرح الحديث ومساعدة الشخصيات التي تظهر وتغيب بأوقات غير معلومة ومتداخلة، نعم هذا ما يؤكد صدقها في التعاطي مع الحدث العظيم والمحير والذي لاتستطيع أن تخرج منه بنتيجة حاسمة أو واضحة لذا جاء صدقها من باب انعكاس الحدث كما هو في الواقع ضبابي مشتت مبهم غير واضح المعالم، تعجز كل الأساليب الأدبية عن ترجمته الحقيقية، وهذا ما أدى بالكاتبة لئن تأتينا بهذا الأسلوب الروائي الفريد غير المعتاد المقتحم لكل الوقائع، وهذا إن دل يدل أن الكاتبة تتقصد بذلك حجر الأقصى والاقتراب منه فهي تشير إليه بعيداً عن المكان، وهذا ماحدا بها أيضاً لئن تتصاعد بالأحداث بعيداً عن الضبابية الموجودة في الواقع والرمز المتشابك معها.
فضاء الرواية: فقد تجد نفسك في أمكنة الرواية المتعددة وغير الواضحة في تعيين مكان محدد فهي في أي مكان، قد تجد نفسك في نفق غير معروف المكان.. وتجد نفسك في مخبر غير معروف المكان.. وتجد ذاتك في رحلة بالتلال غير معروفة المكان .. قد يكون المكان أي بقعة في هذه الأرض.
الزمكان: غير واضحين قد يكونا في وقت ما ومكان ما دون تحديد، وهذا ما أعطى الرواية فضاء واسعاً لامتناه مترامي الأطراف يتلاءم مع الفكرة المطروحة والقابضة على كل شيء.
المقومات الأساسية والمحاور الرئيسة للرواية حتى شخصياتها جميعها متشابهة تقوم بأدوار وظائف تخدم هذه الفكرة العميقة، ولا تستطيع أن تفرق بين الرئيسي والثانوي كما مر في حالات الاختفاء المتكررة كلها رئيسي وكلها ثانوي.. مثلاً الدكتور سالم ثم والده الدكتور الذي داهمه مرض العضال والذي سبقه في المخبر ذاته لم يستطيعا أن يصلا إلى نتيجة، المخبر _ المواد المخبرية والتجارب ومن يقوم بها _ نبيل وماجد وعزام وخليل _ رهف وبتول وجميلة جميعهم يدورون في حلبة واحدة.
العاطفة: وردت العلاقات العاطفية بطريقة مضطربة بين مد وجزر، تهدأ أحياناً وتصخب أحياناً أخرى، كللت إحداها بالنجاح أما الأخرى فكانت مغموسة بالألم وغارقة بالهواجس والهلوسات التي برزت على لسان الكاتبة أحياناً وألسنة شخصيات الرواية أحياناً أخرى، حتى أنك لاتستطيع فصلهما، وهناك شخصيات عرضية في بعض الفصول، تحمّلها الكاتبة قصص الدمار والخراب في سوريا الأم المربية التي قررت هي وزوجها تربية الطفل الذي فقد والديه أثناء الحرب وبعد العذاب وتربيته تتألم مما يجري حيث نيران الهجرة لفحت عليه ورحل.
العلاقات العاطفية بين الدكتور سالم والطالبات اللاتي يحضرْنَ المحاضرات وينجزن التجارب وبين الزملاء مثل بتول ونبيل الخ…
أسماء شلحت هنا وهناك في فصول الرواية دون تحديد لورودها في متنها.. قد يكون هذا مقصوداً من الروائية بغية وضعنا أمام أحداث جدًا مدمرة مشتتة وقاتلة للتفكير في الخوض في غمارها.. تريد الكاتبة أن تحدد موطن العدو القادم من النفق نفق الموت ولكن بطريقة دقيقة قد تكون غير متوقعة وصادمة للمتلقي، والقارئ العادي غير قادر بثقافته الوصول إليها.
تدخل في الرواية وكأنك تخرج منها البداية تصلح للنهاية والنهاية تصلح للبداية أو هي البداية.. شيءٌ فظيع فظاعةَ الأحداث المتبلورة التي تريد الكاتبة الإشارة إليها أو التلميح لها.. بتصوير الحدث رغم فداحته وقدرتها في نقله كما يجب.
وقد أفسره بفن.
إن روائي يدخلك في أحجيات وطلاسم قد تكون معبراً حقيقياً عما يحدث في سورية وفلسطين من وحشية العدو الصهيو أميركي مشيرة لذلك في إحدى الفصول واعتمد على حذاقة الكاتبة في ذلك، أما الحبكة التي اعتمل عليها هي: أسرار الرواية: _ اختفاء الكتاب الأبيض وهو مفتاح علاج مرض العضال، الكهف: يظهر في الرواية في الثلث الأخير منها رغم حجمها وهي تقع في ثلاثمئة صفحة.
تقودك الكاتبة في حالة من الجذب والبحث لتصل إليه بشغف الملتاع مما يجري وهذا ما تقصدته، موقع الكهف: في الأنفاق السبعة تحت المسجد الأقصى والمتصلة بالبحر موطن الأحداث المدمرة للإنسانية، النفق: وجوده في عمق البحر رغم هواجس الطالبات وهن يجرين أبحاثهن وحضور المحاضرات مع الزملاء والأطباء والدكاترة، اختفاء بعض الشخصيات وظهورها بطريقة ضبابية ومدهشة للآخرين.
_ ظهور جثث أطفال وروائح نتنة وقاتلة في النفق، د.سالم الثري والثروة التي جمعها لم تقدم له الشفاء من مرض العضال رغم محاضراته وأبحاثه في المخبر وتحليلاته الكثيرة، نهاية سالم بالمرض بعد اكتشاف زملائه وطلابه قتله لنبيل الطبيب الذي اختفى في النفق وبتول التي تحاول معرفة اختفاء نبيل.
. يبدو أن تشير بإصبعها إلى مواقع خطرة للغاية ولكن بعيداً عن الشبهة خوفاً من أن تقع بين يدي شبكة خطيرة تخطط لدمار الإنسان في سورية وفلسطين بكل برود، ولاشك أن الكاتبة المبدعة تمتلك مخزوناً فكرياً كبيراً خلق لديها هواجس كبيرة، وظفته في خلق هذه الرواية التي تحتاج إلى متلق مفكر ومثقف يستطيع أن يقرأ بين السطور ويتذوقها، أحب أن أختم بأن الروائية سمر الكلاس قدمت عملاً روائياًمتميزًا في عالم الرواية العربية سيتبوأ مكانة هامة في الأوساط العربية عامة والسورية خاصة.
وأحب أن أضيف بأن الكاتبة الأميركية ايزابيل ليندي المشهورة قدمت خدمات جليلة بتمرير شخصيات مرموقة وإنسانية في رواياتها الغزيرة، تقابلها الكاتبة السورية سمر الكلاس أرادت أن تظهر هذه الشبكات الماسونية اللاإنسانية والمدمرة للإنسان أشد تدميراً في قلب وطننا سورية وفلسطين في جنوب الكهف بقليل.
العدد 1181 – 12 -3 -2024