الملحق الثقافي- هنادة الحصري:
لما كان الفرد هو القيمة الأساسية المطلقة في حركة المجتمع، وبالتالي فهو محور العمل والنشاطات والوجود، نلاحظ تراجع الواقع القيمي عند بعض الشباب، وهذا يعود إلى أخطاء في المنهج التربوي للأسرة من خلال اكتفاء الآباء بعدم التركيز على التوجيه الصحيح .. ولعلي أرى أكثر عدم التركيز على المنهج القيمي الذي يتمثله الدين، فالأكثرية ورثت الدين عن والديها من خلال التركيز على تعليم الأبناء الجانب العبادي الرمزي والطقوسي فحسب، الأمر الذي يساعد ومع مرور الزمن على خلق تصور فكري خاطئ لدى الأبناء عن حقيقة الدين معتبرين الدين مجرد عبادة مظهرية شكلية طقوسية خالية من أي جوهر أو مضمون أو معنى رسالي وحركي في الحياة..
وإذا كنا نركز على الدور الأسري، فلا يمكن تجاهل الدور والمسؤولية التي تقع على المدارس والجامعات والمؤسسات والهيئات الاجتماعية الأخرى، لأنه من المفترض بها أن تعمل على تعميق الحس الإيماني والحضاري لدى الفئات الشابة التي بدأت رؤيتها تظهر في النظرة المادية للوجود المجردة من أي معطى جوهري آخر وبلا مضمون روحي وأخلاقي قيمي والهدف هو النجاح المادي، وتحقيق المنفعة والوصول إلى درجة القوة والتي تتأسس على مبادئ البرغماتية، وتستبعد أي دور للعقل الأخلاقي العملي القائم على قيم الخير والشر والحق والباطل، وبهذا فقد كثرت الروح الانحلالية وأجواء التهتك الاجتماعي والتمييع الفكري والأخلاقي .. واستلاب الآخر وإلغاؤه دون التعامل معه وبهذا طغى الفراغ الروحي النفسي في الشباب.
السؤال الآن ما الحل في هذا العصر نحن كمثقفين نتمنى أن يكون لنا وجود نوعي ومؤثر في ساحة الحياة، وأن تضيف أشياء نافعة للبشرية، وعلى هذا فلا عيب أن ننفتح على تجارب الآخرين للاستفادة وليس للأتباع، وأن نقدم الحداثة الغربية في عالمنا العربي والإسلامي على أساس أنها خطاب ثقافي جديد أو رؤية ذات مفاهيم جديدة مختلفة عن أفكار ومفاهيم الخطابات القديمة واضعين في اعتبارنا أولوية وجود الإنسان الفرد الحر بعقله وسلوكه مستفيدين من أجمل مافي تراثنا وماضينا من قيم ومبادئ ومنخرطين في الواقع المعاصر بكل أحداثه ووقائعه، وهذا يتطلب البحث الجدي عن مضامين معرفية جديدة، وما يؤهلنا للتكيف الإيجابي مع معطيات هذا العالم، وبالتالي الانخراط في مقتضياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية بما يقلل من الخسائر التي علينا دفع أثمانها نتيجة فواتنا التاريخي ريثما تتوافر شروط عامة للتحرر والانعتاق في المستقبل.
وعلى هذا فنحن أمة كباقي الأمم والحضارات إننا أمة من مجموعة أخرى من الأمم والثقافات، ويجب أن نتفاعل مع الجيران والأصدقاء والمصالح والتوترات والمناخات الباردة أو الساخنة دون أن نوجه اللوم على باقي الأمم ونلقي عليها مسؤولية فشلنا وتقهقرنا الحضاري إذ إن هناك وعياً متزايداً بأن الكوارث التي عاني منها الشعوب العربية ليست كلها ناجمة عن المؤتمرات والمصالح والأطماع والتدخلات الأجنبية .. بل هناك أسباب داخلية مقيمة ذاتية من أبرزها عجز النخب السياسية عن إيجاد الحلول الملائمة لتناقضات كامنة في بنية وثقافة المجتمعات والنظم السياسية من بطالة وفشل تنموي وتعثر الإصلاح السياسي والخلل في توزيع الثروة .. وهذا مايستدعي إعادة ترتيب البيت الداخلي .. وفق إصلاح تدريجي مدروس.
أقف هنا لأركز على دور المؤسسة الدينية في المطالبة باعتماد العقل والحوار والانفتاح على الآخر وإطلاق خطاب ديني عصري وإصلاح في الفكر الإسلامي والاشتغال على الاجتهاد الديني للبناء والتطوير وحرية البحث العلمي والإنتاج الأدبي والنقد السياسي وذلك للقاء والتعاون مع باقي الحضارات الإنسانية..
العدد 1181 – 12 -3 -2024