الثورة – جهاد اصطيف:
بين ألسنة اللهب وأكف الدفاع، تسطر فرق الدفاع المدني ملحمة وطنية في مواجهة حرائق الغابات المستعرة في ريف اللاذقية وغيرها، التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة هذا العام، من حيث شدتها واتساع رقعتها، وسط تضامن شعبي واسع في محافظة حلب، التي عبر أبناؤها عن فخرهم برجال الدفاع المدني ودعمهم الكامل لجهودهم البطولية.
حلب تقول كلمتها
في مقالنا هذا تلقي صحيفة الثورة الضوء على هذه الكارثة، وترصد آراء شريحة من المواطنين حول أسبابها ومسبباتها وطرق الوقاية منها..
وبحسب المهندس الزراعي عبد السلام، فإن الحرائق التي نشبت مؤخراً تمثل واحدة من أخطر الكوارث البيئية التي يمكن أن تصيب الغابات السورية، فهي لا تدمر الأشجار فقط، بل تقضي على التنوع الحيوي، وتؤثر سلباً على جودة الهواء، وتؤدي إلى تعرية التربة، وتلحق أضراراً جسيمة بالمزارعين الذين خسروا أرزاقهم ومصادر دخلهم.
وأشار إلى أن كثافة استخدام المياه في إطفاء الحرائق، وإن كانت ضرورية، تؤثر سلباً على خصوبة التربة وتزيد من تآكلها، الأمر الذي سيحتاج إلى سنوات لإعادة التأهيل البيئي، ما لم يتم اعتماد خطة هندسية متكاملة تشرف عليها وزارات الزراعة والإدارة المحلية بالتعاون مع الجهات المعنية، ويردف كل ذلك سببه الأساس قد يكون شرذمة مارقة أرادت إلحاق الأذى ببلدنا ومقدراتنا.
قوافل دعم ومساندة
في مشهد يعكس أصالة الروح السورية، انطلقت من حلب قوافل تضامنية محملة بالمساعدات الغذائية والطبية، نظمها عدد من الفعاليات الأهلية والتجار، تلبية لنداء الواجب الإنساني، فيما عجت وسائل التواصل الاجتماعي بصور ومقاطع فيديو توثق لحظة مغادرة آليات الدفاع المدني من حلب باتجاه اللاذقية، وسط دعوات بالدعم والتوفيق.
يقول المواطن أبو يوسف، وهو تاجر: لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي، رجال الدفاع المدني جنود مجهولون، يواجهون النيران بأرواحهم، ونحن فخورون بهم ومستعدون للمساهمة بكل ما نملك. هؤلاء هم أبناء الوطن الحقيقيون، ويضيف: لا شك أن من افتعل الحرائق غايته واضحة وجلية للعيان، بالخصوص أن ريف اللاذقية كان وما زال مقصداً سياحياً من الطراز الأول، وملجأ لنا أهل حلب خصوصاً في فصل الصيف وغيرهم من الزوار العرب والأجانب.
وفي حين أرجع البعض، كالموظفة ريما، أسباب هذه الحرائق إلى عوامل بشرية “متعمدة”، ودعت إلى فتح تحقيقات موسعة وإنزال أقصى العقوبات بمن يثبت تورطه، مستغربة، بل مستهجنة هذا الفعل الشنيع من قبل أيا كان، مطالبة بإنزال أقصى عقوبة يستحقها ليكون عبرة لغيره ولأمثاله الذين لا هم لهم سوى إلحاق الأذى والضرر ببلدنا سوريا، خاصة بعد أن نالت حريتها وكرامتها من الطغمة الفاشية وفلولها، مشيرة إلى أن الحرائق لا تميز بين محافظة وأخرى، وكلنا شعب واحد متماسك.
أما محمد، طالب جامعي، فأكد أن التحقيق في مسببات الحريق يجب أن يتضمن فحصاً فنياً دقيقاً لمناطق الاشتعال ونقاط الانتشار، لتحديد ما إذا كانت هناك مواد مسرعة أو علامات تدل على فعل متعمد، ويرجح أن من افتعل الأمر لا هم له سوى إلحاق الضرر بنا وبمقدراتنا، مشيراً إلى أن الحلول ليست فقط في الإطفاء، بل في الوقاية من خلال استراتيجيات وطنية لإدارة الغابات والرقابة المستمرة.
ووطن لا يُكسر
ووسط هذه المشاهد الموجعة، تتجلى الحقيقة الكبرى.. سوريا لا تُكسر، بل تنهض من بين الرماد بروح التضامن والصمود، فرجال الدفاع المدني، المواطنون، جميعهم يشكلون حلقة واحدة في درع الوطن، وكل قطرة عرق تسقط على الأرض المحترقة هي وعد بالنهضة القادمة.
إنها ليست مجرد نار تلتهم الأشجار، بل محنة توحد قلوب السوريين، وإيمانهم أن الخير أقوى من كل شر.. وأن الغابة ستحيا من جديد، طالما بقي هناك من يقف في وجه النيران.