الملحق الثقافي- نداء الدروبي:
شبابنا هم الغد المشرق وركيزة الوطن.. هم صيد الفوائد ورجال الغد.. إليهم توكل مهمة تربية الأجيال القادمة، وبطموحهم يزدهر العمل وتتقدَّم الأمة، لذا أنشد الشاعر أبو القاسم الشابي:
أباركُ في الناسِ أهلَ الطموحِ ومَنْ يستلذُ ركوبَ الخطرْ
وأُعلنُ في الكونِ أنَّ الطموحَ لهيبُ الحياةِ وروحُ الظفرْ
من هنا كان لنا وقفة مع بعض الفنانين التشكيليين نسألهم عن فن الشباب اليوم، ومدى تألُّقه أو خبوِّ نوره؟
الشباب مبتكرون
التشكيلي حسان أبو عياش رأى بأنَّ الفن التشكيلي أحد وسائل التعبير الإنساني إن كان بابتكار صيغ جمالية متفرِّدة أو بالتعبير عن مواضيع فلسفية واجتماعية وسياسية تشغل بال الفنانين السوريين المخضرمين والشباب من خريجي كلية الفنون الجميلة، الناشطين في إنتاج الأعمال الفنية لتثبيت وجودهم بعد التخرُّج والاشتراك في المعارض رغم التكاليف المادية الباهظة، والسؤال الهام ما الهدف من الأسلوب الذي أعتمده أو الفلسفة التشكيلية التي أبتغيها من عملي؟
أعتقد أنَّ الشباب في البدء لا بدَّ أن يمروا بمراحل التجربة ليصلوا إلى أسلوبهم وفكرهم الخاص، وضمن التحديات التي تواجه قطرنا يعمد الفنانون الشباب حالياً وبالغالب إلى الأسلوب المُعتمد على ابتكار صيغ جمالية تجريدية وتعبيرية جميلة محبَّبة للمشاهد، وبأساليب معروفة ودون التطرُّق للمواضيع الاجتماعية والوطنية والتراثية وربما السياسية وهذه المواضيع نحن بحاجة لها.. فشكراً لكلِّ شاب صمد في بلده ليبتكر ويُجرِّب.
الفن ودوره في تحديد رؤية الشباب المستقبلية
الفنانة ليلى طه ثمَّنت دور الفن في تحديد نمط تفكير الشباب وتحديد رؤيتهم المستقبلية، ورأت بأنَّه يُكرِّس مفاهيم بيئية معيشية تنعكس على معاني بيئية وحياتية، قائلةً: «لقد التقيت بموهوبين شباب يتخبَّطون بين تأمين مستلزمات معيشتهم ومتابعة مسيرتهم وتحقيق أحلامهم من جهة وبين تحويل آمالهم فيها إلى خارج البلاد، فحينما يخطط الشاب للذهاب إلى الخارج ليحقق بعض أحلامه يتخلَّى عن الأحلام التي رسمها في بلده، ومن هنا علينا أن نستوعب تطلعاتهم لمواجهة التناقضات المستقبلية، وتحقيق التوازن بين متطلبات الشباب وبين انتمائهم لأرضهم وبلدهم وحياتهم الاجتماعية كون الفن مرآة المجتمع وسجل حضارتها ورسالة بناء إنسان سوي متكامل يُعزِّز التذوق السليم، ويتصدَّى للانحرافات، وينهض بالمجتمع ليكون أداة توعية للشباب الباحثين عن ذاتهم خارج محيط الوطن، تاركين بيئتهم المنتمين إليها، لذا يجب الانتباه إلى هذه النقطة والإضاءة عليها بالحل».
بعض التجارب ناضجة
النحات علي رجب حسين أعرب عن إعجابه ببعض المحاولات الشَّابَّة الناضجة، المتناولة تقنيات متعددة مُغلَّفة بالإبداع بعيداً عن الاقتباس والسرقة، فيكون الفنان الشاب متفرِّداً بعمله ويلقى من الوسط الفني الإعجاب؛ ثمَّ انتقد البعض الآخر الذي يُقدِّم نفسه كطفل يعبث بالوحل أو يلعب بالرمل أو بالألوان فيبدو بحاجة إلى مزيد من التعرُّف والبحث والاطلاع لأنَّ منتجه ضعيفٌ تتخلله العيوب، فصار متخبِّطاً بالفن يخلط الحابل بالنابل وهو مقتنع بعمله ومدى جماله؛ ولكن هذه الحالة غير مقبولة نهائياً في الوسط الفني إنها حالة تشويه للفن ولابدَّ من وجود ثقافة فنية مشبعة بالفكر والاطلاع والتذوق الفني.
نصائح مثمرة
عرَّف التشكيلي خلدون أحمد الفن بأنَّه لغة بصرية أولاً ونسيج بين العقل والقلب.. هنا يأتي دور الفنان بما يُفكِّر وبما تراوده اللحظة عبر مساحة العمل ليُجسِّد رؤيته للمتلقِّي بعمله التشكيلي.. فمرحلة الشباب هنا بيت القصيد، لذا يترتَّب على التشكيلي أن يتطلَّع ذهنيَّاً لأدواته وألوانه بروحه ونبض إحساسه.
كما قدَّم الفنان أحمد نصائح للفنانين الشباب قائلاً: كي يتمكَّن جيل الشباب من تقديم العمل التشكيلي القوي عليه أن يُمكِّن جذوره كما الأشجار تنمو أغصانها بقوة جذورها.. أغلبهم يستهلون تجربتهم الفنية بالتجريد فيضعون ألواناً على القماش بتمازج عفوي بسيط.. كي ينتجوا عملاً فنياً عليهم أن يفهموا معاني واضحة المعالم من قيم فنية في جماليات الواقع أي أنني أحبُّ أن أرى مراحل التطور عند الشباب حتى أُنصف عملهم التجريدي، فهنا يكون قد تمكَّنوا من رؤيتهم بكلِّ وضوح؛ فلا يمكن قبول عملٍ هشٍّ لا قواعد ولا أسس فيه.. هناك تجارب شابَّة رائعة تُقدِّم إبداعاً وهي تعرف مقاييس العمل التشكيلي من لون وتكوين وتوازن. نحن نُشجِّع الفنانين على أساس أن يبنوا عملهم بناءً ذا قواعد متينة.. قوامه الفكرة وطرحها بشكل جميل، عندما أنظر إلى اللوحة بعينيَّ وقلبي أكون قد أحببتها، لذا أُحبُّ تقديم نصيحة مثمرة لجيل الشباب: أن يتعب على نفسه كثيراً وأن يُطالع في كتب الفن التشكيلي، ويُحضِّر دائماً للفعاليات والمعارض والندوات حتى يتشكَّل لديه مخزون فكري عامر بالمعرفة والثقافة، وعليه أن يعي ذلك كله بما سيُقدِّم من تجارب عبر مساحات اللون والتشكيل كي يُجسِّد لنا رؤيته، فجميل جداً أن نرى أعمالاً رائعة بكلِّ المقاييس لفنانين شباب تمكَّنوا من أدواتهم.
الفن يرتبط بالموهبة المتَّكئة على الوعي والدراسة
التشكيلي رمضان النزهان نفى أن يكون في الفن مرحلة عمريَّة كما هو الحال في التعليم المدرسي؛ لأنَّ الفن برأيه مرتبط بالموهبة المحتاجة لتهذيب من خلال الدراسة الأكاديمية والبحث والتقصِّي والعمل وكل ذلك يغلِّفه الوعي الحياتي والفني.
المعرفة مهمة في العملية الإبداعية فهناك فرق شاسع بين الفنان العادي والمبدع.. واليوم مع تحول العالم إلى قرية صغيرة أصبحت المعلومات سهلة المنال عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وبذلك أصبح الفنان أكثر معرفة وهذا يقود إلى تطور مدهش في العملية الإبداعية والتقنيات التشكيلية، فذهن الشباب مرن وقابل للتطور والتحديث بشكل متسارع وهناك تجارب شابة في الفن أثبتت تواجدها وأثَّرت على المتلقي من خلال أعمال تحمل الكثير من المهارة في الأداء والطرح.
دعم الشباب واجب علينا
التشكيلي فريد شانكان رأى أنَّ الفنان الشاب أحوج ما يكون اليوم إلى الدعم المعنوي والمادي في آن واحد لأنه يُعاصر أعتى موجة اقتصادية وثقافية تمرُّ عليه عبر الأجيال، فهو في حالة شتات إلى حدٍّ ما فلا يستطيع شراء المواد الأساسية لعمل لوحة يريد أن يُعبِّر فيها عن مشاعره، وقلما تتيح له الصالات فرصة العرض لعدم نضجه الفني لذلك هو في حالة مراوحة في المكان؛ وهناك فنانون شباب استطاعوا إيجاد حلول باجتهادهم الدؤوب وعدم استسلامهم للظروف فأصبحوا شبه مشهورين سواء داخل البلاد أم خارجها، لذا يجب الاهتمام بفئة الشباب وتقديم أقصى درجات الدعم لهم عن طريق اقتناء أعمالهم وتسليط الضوء إعلامياً على تجاربهم ومواهبهم.
العدد 1182 – 19 -3 -2024