الثورة – عمار النعمة – رفاه الدروبي:
نظَّم مجمع اللغة العربية في دمشق بالتعاون مع مجمع اللغة العربية في الشارقة ندوة فكرية بعنوان “المعجم التاريخي للغة العربية بين الواقع والمأمول”، بهدف الاحتفاء بالمعجم التاريخي للغة العربية ودوره في التوثيق الشامل لمسيرة لغة الضاد عبر العصور، استضافتها مكتبة الأسد الوطنية بحضور شخصيات رسمية وفكرية ولغوية.
وركَّزت الندوة على الأهمية الكبيرة للمعجم، إذ أشرف على إصداره اتحاد المجامع اللغوية العربية بمبادرة من عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وشارك في إعداده /500/ باحث ولغوي وأكاديمي من /13/ مجمعاً لغوياً، وصدر منه لغاية الآن /67/ جزءاً، ويشمل آلاف البحوث والدراسات المتعلقة باللغة والنحو والبلاغة والأدب والفكر والفنون وشؤون الاجتماع وجوانب الحضارة وسائر مواطن الإبداع العلمي التي شهدتها اللغة العربية.
أساتذة قدوة
وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور بسام إبراهيم أكَّد في كلمة له أنَّ وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أسهمت في بلدنا خلال عدد من أساتذتها في الكليات الجامعية بالتعاون مع مجمع اللغة العربية عبر مسيرته في وضع المصطلحات باللغة العربية أو تأليف الكتب الجامعية معتمدة على مصطلحات علمية وضعها المجمع، وكان هؤلاء الأساتذة مثالاً وقدوة في حرصهم على سلامة اللغة العربية حتى غدت سورية مضرب المثل على الصعيد العربي في تعليم جميع مواد المعرفة باللغة العربية، مُنوِّهاً بأنَّه مرّ أكثر من قرن على إنشاء مجمع اللغة العربية في دمشق وبذله جهوداً كبيرة في إعلاء شأن لغتنا العربية، وتعتبر من صلب مهامه وأهدافه ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، مُثمِّناً إنجازاته القيِّمة عبر التاريخ وما كانت تلك الجهود الطيبة لتبذل إلا بسبب إيمان أعضاء المجمع العميق بالانتماء إلى أمتهم ولغتهم العربية الخالدة، ويقيناً بأنَّ لغتنا العربية أساس قوميتنا وروح أمتنا وجامعة شملنا، واللغة الرسمية في دساتير الدول العربية كافة.
عمل قومي
وأشار رئيس اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية الدكتور حسن الشافعي في كلمة له عبر تطبيق الزوم إلى أنَّ إعداد المعجم التاريخي للغة العربية يُعتبر عملاً حضارياً علمياً أنجز بالنسبة لسائر اللغات العالمية في عالمنا الحاضر وفكرنا المعاصر، وعملاً قومياً بامتياز، مُبيِّناً أهمية شحذ إمكانات الأمة العلمية والفكرية والمادية على مستوى قومي وعلى صعيد جامع أممي؛ ولا ينفرد فيه فريق دون فريق أو بلد دون آخر أو مجمع دون إخوانه من المجامع الأخرى، أملاً بالعمل المتواصل على إتمام المعجم التاريخي خلال العام القادم لتكتمل الأجزاء المئة أو أكثر.
إغناء اللغة
بدوره رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق الدكتور محمود السيد أشار إلى أنَّ المعجم التاريخي للغة العربية جمع كلمات اللغة، وصيغها وتراكيبها من منابعها الحيٍّة في جميع العصور، وفي ميادين المعرفة كافة، مُتتبِّعاً الأصول اللغوية العربية في النقوش العربية القديمة، ولغات الممالك القديمة في بلاد الشام والعراق وغيرهما كالأكادية والآرامية والسريانية، ما يجعل المعجم مصدراً لدراسات في الدلالات والألفاظ والتراكيب والدراسات المهتمة بإغناء اللغة وزيادة رصيدها وتعرف الألفاظ الدخيلة ما يفسح المجال لإجراء المزيد من البحوث والدراسات.
تدريب على مراحل الإنجاز
ثم استعرض الأمين العام لمجمع اللغة العربية في الشارقة الدكتور محمد صافي المستغانمي خطوات تنفيذ المشروع بالتعاون بين مجمع الشارقة ونظرائه في المجامع العربية وتدريب العاملين فيها على مراحل الإنجاز، وتشكيل لجنتين علمية وتنفيذية تضم كبار الخبراء، ووضع خطة محكمة لإطلاق الإصدار ذاته، وسيكون معجم المعاجم ومرجع المراجع للأكاديميين والباحثين واللغويين، مبيناً أنَّ الأجزاء المطبوعة من المعجم تشمل حروف العربية من الألف للضاد، وبقي ثلاثة عشر حرفاً قيد الإنجاز.
من جهته الأمين العام لاتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية الدكتور عبد الحميد مدكور بيَّن أنَّ المعجم سيمُثِّل عند اكتماله درَّة المجامع اللغوية قديمها وحديثها، ويحقِّق جمعاً كبيراً لم تشهد اللغة العربية له مثيلاً من قبل، وسيكون مرجعية كبرى في مختلف صنوف الإبداع على مستوى العالم، ومرجعية للبحوث والدراسات لسائر مراحل الإبداع للغة.
إنجاز القرن
واعتبر المدير العلمي للمعجم التاريخي للغة العربية الدكتور مأمون وجيه أنَّ المعجم إنجاز القرن انتظره اللغويون والمثقفون العرب في كلِّ مكان، مشيراً إلى أنَّ أبرز ما تميَّز به المعجم تفرُّده بالتأريخ، كونه سجلاً لغوياً يُؤرِّخ قصة اللغة ويُبيِّن شجرة النسب اللغوية لكلِّ كلمة، وكيف تفرَّعت الأصول وتطورت وأنجبت أجيالاً من الألفاظ والدلالات عبر العصور، مُتَّتبعاً تواريخ ميلادها واستعمالاتها في كلِّ عصر، مُتعقِّباً آثارها في النقوش القديمة والكتابات الحديثة ليقدّم سجلاً
تاريخياً دقيقاً لألفاظ العربية وتراكيبها، إضافة إلى تفرُّده بجمع لغوي جديد للغة العربية، معتمداً على اللغة الحيَّة المستعملة الموثّقة في مصادرها المدوّنة منذ بواكير التاريخ.
أصبح الحلم حقيقة
انعقدت فيما بعد أعمال الندوة برئاسة رئيس مجمع اللغة العربية في سورية الدكتور محمود السيد، والأعضاء من سورية الدكتور عبد الناصر عساف، ومن الشارقة الدكتور غيث زرزور.
وتناول حديث الدكتور عساف أنَّ المعجم التاريخي للغة العربية كان فكرةً وحلماً، تردَّد في أروقة المجامع اللغوية العربية، وفي ضمائر المختصين ومُحبِّي اللغة العربية، ثم أصبح مشروعاً أُلِّفت اللجان وانعقدت الاجتماعات، وشُدَّت الرحال من أجله إلى القاهرة، ومن واقع التجربة العلمية المفيدة كان فيها معاينة ومعاناة ونظر ومعرفة، أما المزايا فتتفرد في سرعة الإنجاز الفائقة وقد اختُصرت في أربع سنوات بسبعة وستين مجلداً، ومن المتوَّقع أن يصدر مكتملاً قبل انقضاء العقد في مئة وعشرين مجلداً، حيث يقوم المعجم التاريخي على الاستقصاء في جمع ما وقع في معاجم اللغة العربية، والاستدراك والزيادة عليها، والبناء وفق مناهج معاجم المحدثين، إذ رُتِّبت مواده ترتيباً ألف بائياً بحسب عدد حروفها الثلاثية فما زاد عليه، وكان من منهج المعجم صلة بعض المواد بما شاكلها والبناء وفق منهج تاريخي وصفي.
من جانبه مُمثِّل مجمع اللغة العربية في الشارقة الدكتور غيث زرزور أفاد أنَّ الجهود المبذولة في التأليف المعجمي كانت عظيمة، ابتداء من القرن الثاني الهجري مع الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتابه العين، ولا يكاد يمرُّ قرنٌ من القرون إلا ونجد فيه من تصدَّى للعمل، ونقف في القرن الرابع الهجري على أكثر من مؤلف كجمهرة اللغة لابن دريد، وتهذيب اللغة للأزهري، والمحيط للصاحب بن عبَّاد، والصحاح للجوهري، والمقاييس والمجمل لابن فارس.
ونجد في العصر الحديث التأليف المعجمي وتبنِّيه من المجامع اللغوية أو الأفراد، مُنوِّهاً بأنَّ المعجم التاريخي واجهته عقبات وتحديات أبرزها: قوالت في الألفاظ وأخرى في المعاني، ثم اقتصار معظم المعاجم على تدوين ما استُعمل في عصور الاحتجاج، إضافة إلى نموِّ اللغة واتساعها والتصحيف.
اللغة ظاهرة اجتماعية
أما الدكتور وهب رومية فأفاد أنَّ المعجم فعلٌ علميٌّ كان حلماً قصيَّاً يُراود نقَّاد الشعر وشُرَّاحه ومؤرِّخي الأدب منذ زمن بعيد حتى راح الحلم يتعرَّى بين أيديهم ليصبح حقيقة، مُعرِّفاً اللغة بأنَّها ظاهرة اجتماعية تاريخية تخضع لقوانين وظواهر عامة من حيث التبدُّل والتغيُّر والانحطاط والذبول، ومجموعة من الرموز المتعارفة دلالاتها وتبدّلها وتغيُّرها بتغيُّر الألفاظ الضبابيَّة، مُنوِّهاً بضرورة معرفة الدلالات المتغيِّرة لتكون كفيلة بأن تعصم فهم النصوص من الهذيان والاضطراب والفوضى.