دائماً نردد أن الدراما صناعة محلية بامتياز، وهي على حد تعبير النقاد والمهتمين بالشأن الدرامي تنقل صوراً للواقع الحي الذي نعيشه، وأنها تشكل فيما تعرضه حالة يعيشها الشعب في معظمه، إن كان على صعيد العلاقات الاجتماعية أم العلاقات التجارية وعلاقات السوق في البيع والشراء وما ينتج عنها من منافسات وصراعات ربما يكون الجميع فيها خاسراً، لأن الربح لا يقاس بمقدار ما يقتنصه التاجر من الآخرين، بل الربح الحقيقي يكمن في العلاقات النزيهة المبنية على الصدق والمنافسة الشريفة.
ولكن ربما ما يسعى إليه الكثير من صناع الدراما هو تحقيق” التريند ” أي الدعاية والإثارة والتشويق على حساب هدم القيم والعلاقات الإنسانية النبيلة، فهل يعقل أن مجتمعنا أصبح بهذه الوحشية وأن القتل أصبح سهلاً وينفذ بدم بارد دون أن يرف جفن للقاتل وكأننا عدنا إلى زمن اللاقانون الذي تحكمه شريعة الغاب؟
لا ننكر أن مجتمعاتنا هي ككل مجتمع في هذا الكون فيه متناقضات الحياة جميعها من الحب والكراهية والجريمة والأمراض الاجتماعية، ولكن أن نتجاهل الخير فيه إلا قليلاً ونترك للشر أن يتربع على عرش المجتمع فأظن ذلك لاشك تقليلاً من شأن الجانب الخير الذي لايزال يقبع داخل الكثير من النفوس التي تأبى أن تنجرف خلف ترهات الحياة وتشوهاتها، فلماذا نغض الطرف عنهم ونبرز أن المال دائمًا هو الذي ينتصر على حساب القيم والأخلاق، فأين دور الدراما في تعزيز تلك القيم والمعاني السامية في زحمة ما يدور بأروقة الحياة، وخصوصًا أن درامانا السورية تحل ضيفة عزيزة على موائدنا الرمضانية، وتشاهدها العائلة كبيرها وصغيرها، فهل نستطيع بعد ذلك أن نراهن على جيل يعي معنى أن يكون نزيهًا ويحمل من القيم ما يجعله يدخل متاهات الحياة بخطى ثابتة وقلب يحمل بين ضلوعه الرحمة والإيثار والسلام.
وعلى الجانب الآخر وكلمة حق يجب أن تقال، إننا نملك من القدرات الفنية لدى الفنان السوري ما نضاهي به المستوى العالمي، فقد تفوق الفنانون في موسم هذا العام على أنفسهم وأبدعوا في تقديم الأعمال حتى باتوا يشكلون ظاهرة فنية رائعة في عالم الدراما العربية، وكل ما نرجوه أن ينتصر الفن كما عهدناه دائما للخير والحب والجمال، فنحن مهما شوهتنا تحديات الزمن، يليق بنا أن نحلق فوق النجوم.