الثورة – حلب – فؤاد العجيلي:
شاعر وكاتب من مدينة الرقة، مسكون بالانتماء لفراتها، انعكست في كتاباته وقصائده، وتأثر لما حل بها فكانت قصائده مدونات من الوجع ونسيج الأرض، يكتب الشعر الفصيح ويدعو إلى الحفاظ على عموديته والشعر النبطي الذي يعد من موروث القبائل العربية وجزء من هويته، الشاعر عبد الكريم محمد العفيدلي في هذه الفسحة الحوارية:
• أنت من الشعراء الذين أنكروا قصيدة النثر، ولكن في ديوانك الأخيرة شهوة الخيال طرقت باب النثر، هل هذا اعتراف منك بهذه القصيدة؟
أنا لست ضد النثر كجنس أدبي، أنا ضد مصطلح «قصيدة النثر» واستغرب من ترويج هذا المصطلح وهذه القصيدة المزعومة على أنها من إنتاج الحداثة، كيف لك أن تجمع بين جنسين أدبيين لكل منهما خصائصه المختلفة عن الآخر، النثر نكتبه والشعر نكتبه ولا نجمع بينهما وأنا باعتقادي من يروج لهذا المصطلح يهرب من الشعر العمودي أو لإحداث فوضى في الأدب، والنثر موجود في تراثنا العربي قرأناه للجاحظ وأبي العلاء المعري وعبد الحميد الكاتب وغيرهم، وكتب النثر بلغة شاعرية بالعصر الحديث فكثير من قصص عبد السلام العجيلي إن أردنا تقطيعها تخرج لدينا قطع نثرية بلغة شاعرية، وكذلك نزار قباني كتب النثر مستقلا عن الشعر وأسلوب أحلام مستغانمي الروائي هو نثري بروح شاعرية، أما أن تقول لي قصيدة النثر فأنا ضد المصطلح وفي ديواني الأخير تنوع بين العمودي والتفعيلة شعراً وأيضاً بعض القطع النثرية بأسلوب شاعري ولكن ليست قصائد نثرية كما يزعم البعض.
• هناك من يتهمك بأنك تتعمد البلبلة ولفت الانتباه من خلال الإشكالية في اختيار عناوين دواوينك كـ «مصوّر بالعشا» مثلاً؟
من وجهة نظري ليس بالضرورة أن يكون عنوان الديوان شاعرياً، لكن بالضرورة يجب أن يزرع الفضول في ذهن المتلقي ويقوده إلى مضمون الديوان فعنوان ديوان «مصوّر بالعشا» هو التقاطة تحاكي انقلاب الصورة بين زمنين ونقد اجتماعي حاد للعادات الدخيلة على مجتمعنا كنا في زمن “مصوّت بالعشا” واليوم نحن في زمن «مصوّر بالعشا» المصوت كان يدعو الناس للطعام في سنين المجاعة من خلال صوت المنادي الذي يجوب المضارب يدعو كل الناس دون تفرقة، وعند الجلوس للطعام تطفأ أضواء القناديل رفعا للحرج لكي يأكل الجميع بأريحية، أما اليوم أصبح هناك خلل بالعادة فمن غير المعقول أنك تدعو أحدا لتكرمه وتصوره على الصحن وتنشره على مواقع التواصل الاجتماعي، الضيف عند العرب كالعرض والحفاظ على كرامته من الرجولة فبدلا من أن تكرمه تذهب لتشهر به، من هنا جاء عنوان الديوان الذي هاجمه المتضررون وهم كثر من أصحاب الفلاشات وهواة التصوير، فالشاعر لسان حال مجتمعه ومهمته تنويرية ولابد من تصويب الأخطاء.
• القارئ لقصائدك يحتار في أسلوبك الكتابي، قصيدتك الفصيحة أقرب للشعبية وقصيدتك الشعبية أقرب للفصحى؟
أنا لا أحب أن أقلد أحدا، أحب أن أعرف بطابع خاص مختلف عمن سبقني وإلى حد بعيد أنا مسكون بالبيئة وبمدينتي الرقة التي تجمع بين الحاضرة والبادية، هذه البيئة عبر التاريخ ملتقى للحضارات وهي مركز من مراكز الأدب المهمة، تداخل البيئة بالرقة انعكس في قصائدي لشدة تأثري والتصاقي بها، فعندما تقول إن قصيدتك الفصيحة أقرب للشعبية لكثرة استخدامي مفردات البيئة الفراتية وظهر هذا في عدد من قصائدي في ديوان «أشرعة الهمس» ولفت انتباه عدد من النقاد، أما قصيدتي النبطية أو الشعبية فأنا أكتبها بأسلوب السهل الممتنع بعيدا عن التقليدية الموروثة بالشعر النبطي وأستخدم بها لهجة بيضاء مفهومة أقرب للفصحى بحيث تصل إلى كل متذوق للشعر.
• ما رأيك بالمسابقات الشعرية، ولماذا لا نراك مشاركا بها؟
باعتقادي أنه رغم كل المحاولات لإنعاش الشعر لا تزال محاولات غير صادقة فسوق عكاظ لا يزال من التاريخ، كل هذه المسابقات غايتها الربح المادي، والثقافة يجب أن لا تسيس ولا يجعل منها سلعة، عدا ذلك مستوى لجان التحكيم فساحة الأدب العربي تفتقد للنقاد الحقيقيين فمن غير المعقول أن تأتي بشاعر هو أعلى مستوى من المحكم، وحصل ذلك في العديد من المسابقات التي أحرج بها المشاركون لجان التحكيم، ومن يسمون نقادا إما أنهم مقلدون للمدارس الغربية أو انطباعيون يدعون النقد، النقد حالة إبداعية حالها حال الشعر أو أي جنس أدبي آخر، والنقد العربي بهذه الفترة عاجز عن مواكبة الحركة الأدبية.. أما عني شخصيا فأنا أكتب الشعر لغاية الشعر لا أطلب به جوائز مادية ولا شهرة إعلامية.. علما أن الشعر لا يكتب من رفاهية غالبا ما يولد النتاج الأدبي من رحم المعاناة الإنسانية والمعاناة وحدها من تصنع دفاتر الإبداع.
• ما هو الحل الأمثل للنهوض بمستوى الثقافة العربية؟
نحن الآن بأمس الحاجة لإعادة بناء المشروع الثقافي العربي ، وهذا يقع على عاتق القيادات الثقافية التي يجب أن تؤمن بأهمية هذا المشروع وأن تبتعد كل البعد عن عقلية الفرز، هذا المشروع إن أعدنا بناءه ونحن نمتلك كل الأدوات سيكون حاجز الصد الأول بوجه كل غزو يستهدف الأمة وتغييب وعيها، وأساس هذا المشروع يبدأ بتعزيز ثقافة الانتماء والهوية، وعندما أقول الهوية أعني بها الثقافية فقد أصبحت في خطر محدق بسبب المقلدين والمستوردين للأفكار التي لا تمت لعروبتنا وشرقيتنا بصلة وللإعلام الدور المهم في هذا المشروع لما له من أهمية كبرى في تشكل الوعي.
• هل أنت مع جمع وتدوين التراث اللامادي السوري؟
بلا شك إن الماضي مرتبط بالحاضر والمستقبل، ولابد من جمعه وتدوينه وحفظه للأجيال القادمة، وأنا مع وضع التراث اللامادي ضمن المناهج الدراسية في الجامعات والمعاهد والمدارس وأتمنى أن تتضافر جهود الوزارات المعنية كوزارة الثقافة والإعلام والتعليم العالي والتربية، وأن يعمل على تبويبه ضمن طريقة منسقة ومفهومة ووضعه في سياقاته المؤسساتية.
إن أهمية التراث اللامادي كبيرة لدى الشعوب ،فمن المعيب أن يأتي المستشرقون والباحثون المهتمون بتراثنا من أصقاع الأرض يحاولون الإطلاع عليه، ونحن لا نعطيه الأهمية ونحن أصحابه وهو تراث إنساني عظيم.
• أين أنت من الشعر الغنائي، لماذا لا نراك تكتبه؟
أنا بدأت كشاعر قصيدة، وشاعر القصيدة من الصعب أن ينزل لكتابة الأغنية لأنها تعتمد الكلمة الخفيفة بينما القصيدة تميل إلى الفخامة والجزالة، أما الشاعر الأغنية يستطيع أن يتطور يكتب القصيدة، وبشكل عام كل الشعر يغنى لكن يحتاج لإمكانيات صوتية ولحنية تضيف للقصيدة، لم أفكر أن أدخل الساحة الغنائية رغم أني أكتب الشعر الفراتي بألوانه المتعددة ومعروف عنه أنه شعر غنائي إنما من باب التنويع في الكتابة وليس لدي طموح لدخول ساحة الشعر الغنائي أو تقديم نفسي كشاعر غنائي.