الثورة- عمار النعمة:
ما من مبدع في العصر الحديث يستحق أن يطلق عليه لقب مالئ الدنيا وشاغل الناس مثل الشاعر الراحل نزار قباني، فما كُتب عنه وأثير حوله وإقبال الناس على قصائده قراءة واستماعاً وغناء جعلاه يستحق هذا اللقب وغيره الكثير من الألقاب بحق.
“نزار قباني أيقونة الحب السورية” كتاب يرصد بعض الحالات الشعرية في حياة الشاعر نزار قباني والرؤى المختلفة لشعره وأدبه، وفق ما كتبه عدد من الأدباء العرب، جمعها ودرسها الباحث إياد مرشد.
جاء في الكتاب عدد من المواضيع التي تناولها الأدباء والنقاد، مثل نزار قباني الحب معاصراً والحب خارجاً عن الزمن لجبرا إبراهيم جبرا، وشعر نزار قباني وثيقة اجتماعية مهمة لسلمى الخضراء الجيوسي، وسلالات نزار قباني لعبد الكريم حسن، وحوار اللغة والصورة عند نزار قباني لنذير العظمة وغيرها.
يرى مرشد أن الشعر سفير عبر الزمن، والكلمه روح تهدل بالسلام والوئام، كما أنها سلاح يشهر في الأزمنة الصعبة والفاصلة في عمر الشعوب والأمم، ونزار قباني كان سفير سورية الدائم الحامل لوجعها وألمها وحضارتها ومكامن الجمال فيها.. كما كان سفيراً للعروبة في دفاعها عن نفسها في مواجهة الضعف والهزائم.
وقال: لقد وجد الشعر في نزار رسولاً يعيد إيمان الناس به وبدوره وقدرته على أن يكون صوتهم ولسان حالهم.
ووجد نزار في الشعر قبلة له يصلي في محرابها، وينشد على عتباتها أجمل قول، لقد حملنا نزار إلى عوالمه فأحببنا قصائده لأن موضوعاتها قريبة منا، كلماتها تترنم بها شفاهنا بطيب، وصورها مرسومة بإتقان ومنسوجة من أعصاب الياسمين وحلاوة السكر، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لا يتوقف الحديث عنه مع تقدم الزمن، ولماذا مثل نزار حالة استثنائية في حضوره وغيابه وفي شعره؟
والجواب يأتي سريعاً لأننا أمام قامة شعرية تجاوزت الحدود المرسومة للتساؤلات وأمام شاعر لا ضفاف تؤطر حجم تأثيره في الحركة الشعرية العربية في النصف الثاني من القرن العشرين.
لقد شغل الجمهور والإعلام والنقاد بحياته ومعاركه على جبهات الشعر والأدب والسياسة وقضايا المجتمع وما زال حتى الآن ملهماً للشعراء والنقاد يعودون إليه اقتراباً من أسلوبه أو محاكاة لتجربته الشاملة والغنية.
لقد تناولت أقلامهم تجربة نزار قباني بالنقد والدراسة والتحليل، وقد حفلت الدوريات بعناوين مميزة تتعلق بشعر نزار وتوجهاته ومكامن الجمال فيه أحياناً أو باحثة عن مثالب أو بعض الهنات أحياناً أخرى.
إننا أمام شاعر خضعت أعماله للنقد بكل مدارسه، وهناك من قيم الشاعر انطلاقاً من رؤية إيديولوجية وآخرون من الناحية الفنية والبنيوية، وبعضهم قدم دراسات تتعلق بالجوانب النفسيه للشاعر .. وبالتالي نحن أمام دراسات نقدية منشورة تحاور نزار قباني شاعراً وإنساناً، وترصد تفاصيل حياته الخاصة كما تتابع نتاجه الإبداعي.
هذه الشهرة التي حققها نزار انطلقت من محاور عده نذكر منها شعره وخصوصيته شاعراً للمرأة أولاً، وشاعراً متمرداً ثانياً … حضوره الشخصي والآراء التي كان يطلقها، حيث كان وفياً للمكان الذي ولد فيه، فترى ارتباطه بدمشق ارتباطاً عضوياً لم تنقطع أواصره على كل سنوات الغربة والبعاد … إنه شاعر عصري، فلغته تنضح بروح العصر الذي عاش فيه … ألغى المسافة ما بين الشاعر والجمهور وجعل الشعر قريباً من الإنسان العربي.
إن الاحتفاء بمئوية ولادة شاعر كبير كنزار قباني هو احتفاء بالثقافة العربية عامة، وبالشعر العربي خاصة، ذلك أنه كان أحد رواده في النصف الثاني من القرن 20 ومن نجوم الحركه الأدبية على امتداد الوطن العربي.
حاول الكاتب اصطفاء دراسات متميزة من حيث تناولها لتجربه نزار قباني وأعماله وحياته من أقطار عربية متنوعة للدلالة على حجم تأثيره وتفاعل النقاد العرب مع شعره، وهذه الدراسات تختلف باختلاف مدارس مؤلفيها ومبدعيها. ويبقى نزار قباني سفراً مفتوحاً على الزمن ينهل منه متذوقو الشعر ويتطلع كثيرون للاستفادة من تجربته أو تقليده، وستبقى لعصور قادمة كلمات نزار تحفر في الوجدان العربي و(سامبا) نزار تلقى صداها في موسيقا أرواحهم.
في 30 نيسان من عام 1998 توقف قلب نزار عن الخفقان وترك لنا وصية واحدة بأن يدفن في دمشق، لأنها كما قال “الرحم الذي علمني الشعر الذي علمني الإبداع والذي علمني أبجدية الياسمين”.