الثورة- هفاف ميهوب:
لم تكن جرأة الكاتب والأديب الفلسطيني “غسان كنفاني” في غالبية مؤلفاته، إلا إيماناً منه، بأن الإنسان هو المسؤول عن مصيره، وبأنه القادر على إحراز شرفِ الموت، في سبيلِ ما قال عنه:
“الإنسان ما هو إلا قضية، ونحن كعربٍ قضيتنا الأولى فلسطين، ومتى ما تهاونّا فيها فقدنا إنسانيّتنا”.
إنه ما ميّزه كأديبٍ، رأى فيه أبناء شعبه، رمزاً ثقافيّاً وفكريّاً مقاوماً، وما ميّز فلسطين في عينيه، فرآها “رمزاً إنسانياً متكاملاً”.
إنه أيضاً ما ميّز أعماله، بتناولها لقصص ومعاناة شعبه، وسواء في أرضه المحتلّة أو حتى خارجها، وما كان سبباً في استهدافه من قِبلِ عدوٍّ، لم يتمكّن ورغم سعيه لاغتياله، من اغتيال كلماته، والصدى المقاوم الذي سيبقى يردّدها:
“سأظلَ أناضل لاسترجاعِ الوطن، لأنّه حقّي وماضيَّ ومستقبلي الوحيد.. لأن لي فيه شجرة وغيمة وظلٌّ وشمسٌ تتوقّد، وغيومٌ تمطر الخصب، وجذورٌ تستعصي على القلع.
هذا ما عاهد به “كنفاني” وطنه الفلسطيني.. النضال حتى آخر لحظة من حياته، وبالكلمة المقاوِمة التي واجه بها عدوّه، وجعلته شهيد قضيّةٍ رآى فيها أن “الشكل الثقافي في المقاومة، يطرح أهميّة قصوى، ليست أبداً أقلّ قيمة، من المقاومة المسلّحة ذاتها، وبالتالي فإن رصدها واستقصاءها وكشف أعماقها، ضرورة لا غنى عنها، لفهم الأرضِ التي ترتكز عليها، بنادق الكفاح المسلّح”.
هذا ما رآه في المقاومة الثقافية، التي ترافق وتوافق في أهدافها، المقاومة المسلّحة التي تكاتفت وإياها فشكّلت، قوّة فعالة وذات أثر، ولاسيما في ساحةِ المقاومة الفلسطينية.
نعم، هذا ما رآه، بل ووثّقه، وعبر دراساتٍ وأعمال تناول فيها، الظروف الصعبة والشرسة التي أحاطت بالأدب المقاوم في الأرض المحتلة، مثلما عمق وبلاغة ما تناوله أدباء ومثقفي فلسطين، ممن عانوا ما عانوه من ملاحقةٍ واعتقال وتعذيبٍ وتهجير، وغير ذلك مما لم يحل دون إصرارهم، على الاستمرار في العمل الثقافي المقاوم، الذي خلّد بصماتهم المضيئة.. البصمات التي تجاوزت حدود وطنهم، إلى المدى المشترك للمصيرِ العربي، الذي كانت فيه كلماتِ المقاومين، أشبه برصاصِ بنادقِ “الرجال الحقيقيّين”..
هؤلاء الرجال برأيه، هم المقاتلون بأرواحهم وأجسادهم وسلاحهم.. الذين “يزحفون تحت صدر العتمة، ليبنوا لنا شرفاً نظيفاً غير ملطّخ بالوحل”..
هم أيضاً، الرجال الذين قال أنه يشعر أمام عظمة تضحياتهم:
“أشعر أن كلّ قيمة كلماتي، كانت في كونها تعويضٌ تافه لغياب السلاح، وإنها تنحدر الآن أمام شروط الرجال الحقيقيين، الذين يموتون كلّ يوم في سبيل شيءٍ أحترمه، إن قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت إنها قضية الباقين.