الثورة-فؤاد مسعد :
أن تستطيع التلوّن إلى حد تُقنع فيه عدوّك أنك صديق هو أمر يحتاج إلى الكثير من العمل والجهد والبحث للوصول إلى الصيغة المثلى في الأداء، فكيف الحال إن كان من يتصدى لهذه المهمة الفنان بسام كوسا، عبر دورين تلاقيا على الشر والخبث والدهاء، وافترقا اختلافاً في الشكل ومضمون الحكاية، والتفاصيل التي ميزت كل شخصية عن الأخرى.
اللافت التحدي الذي خاض غماره في تأدية دورين فيهما من الشر الكثير وعُرِضا في موسم واحد، ولكنه أوجد الفارق، فكان لكل منهما لونه الخاص وسماته وطريقة أدائه وإيقاعه ومنطقه ومفرداته المنتقاة بعناية والمنسجمة مع حالة الشخصية وطبيعتها.
قدّم في مسلسل “تاج” إخراج سامر البرقاوي، شخصية فرضت حضورها الغني منذ البداية، إنه رياض الجوهر أو كما يًلقب “الخياط”، هو الثعلب بثياب الحمل، الجاسوس المختبئ بثياب الوطني الغيور على أولاد بلده. ملامح البرود التي تظهر على تعابير وجهه وحركة جسده تخفي وراءها درجة غليان عالية أشبه بالسم الزعاف، فلديه القدرة على إيذاء كل من حوله وقلب الحقائق بخبث وحنكة.
التلوّن الذي قدمه عبر الشخصية يعكس في أحد أوجهه كيفية تعاطيه مع أدواره، وفهمه لها ومدى اهتمامه بالتفاصيل، وبحثه عن الأدوات التي تكرس الحالة وتصعّد من حضورها، مجسداً روحها ساعياً لأن يوجد لها خصوصية تحمل سماتها، فيبدو مُشبعاً وممتلئاً منها، ما يجعلنا نتلمس بصمته في حناياها. وهو الأمر الذي ظهر جلياً أيضاً عبر شخصية نعمان الزير في مسلسل “مال القبان” إخراج سيف سبيعي.
عديدة هي المشاهد التي قدمها الفنان بسام كوسا في “مال القبان” وحملت زخمها ودلالتها، منها مشاهده مع والدته والتي نقتطف منها تفصيلين برز فيهما جلياً الثقل والحضور المٌدهش الذي أضفاه على الدور. هما مشهد دعائها عليه والمطر يهطل ونظراته التي كادت تنطق حينها “الحلقة الثانية”، ومشهد قدومه إليها بعد موت صديقه واضعاً رأسه على حضنها باكياً كطفل وينام، فعلى الرغم من كل الأسى الذي سببه لها تبقى في لحظة الحقيقة هي الملجأ “الحلقة الثامنة”.