الثورة – أحمد صلال – باريس
تابعت صحيفة (الثورة) في باريس مهرجان كان السينمائي بنسخته الأخيرة التي أسدل الستار عليها قبل أسابيع ، وقامت باستعراض مجموعة أفلام “نظرة ما”.
تهدف هذه المجموعة، التي تُعدّ جزءاً من اختيارات كان الرسميّة، إلى الترويج للسينما المستقلّة وصانعي الأفلام الأقل شهرة. في السنوات الأخيرة، وقد برزت الرّغبة في العودة إلى هذا الخط التحريري الذي فقد بريقه، وتكمن متعة المتابعة باكتشاف أسماء جديدة في عالم السينما العالمية.
بلد قيس سعيد المخرجة التونسية أريج سحيري ليس اسماً مجهولاً تماماً، فقد سبق لها أن كُرِّمت في مهرجان كان السينمائي الخامس عشر عن فيلمها الرائع “تحت الشجرة”.
وبمشاركتها في الاختيار الرسمي، تُرسِّخ سحيري مكانتها كواحدة من الأسماء الجديدة التي يحملها المهرجان.
وقد انتظرنا لنرى ما إذا كان فيلم “سماء بلا أرض” سيرقى إلى مستوى التوقّعات.
بخلاف فيلم “تحت الشجرة” يتناول فيلم”سماء بلا أرض”الأحداث الراهنة بشكل أكثر مباشرة، من خلال وصف مصير المهاجرين من جنوب الصّحراء الكبرى في تونس.
للأسف، نعلم مدى تدهور مصير المهاجرين في بلد قيس سعيد خلال السنوات الأخيرة، بدعم متواطئ من الاتحاد الأوروبي.
لذا، يندرج فيلم أريج سحيري في هذا السياق تحديداً، ويسعى إلى إعادة الاعتبار لمن يُنظر إليهم غالباً على أنهم موضوع جدل “أمني” يتلاعب به بعض السياسيين.
تحت سقف واحد
لتحقيق ذلك، يُركز فيلم “سحيري” على ثلاث مهاجرات، تؤدي أدوارهن ديبورا ناني، والفنانة ليتيسيا كي، و آيسا مايغا، المشهورة في فرنسا.
لهؤلاء النساء الثلاث أوضاع مختلفة في تونس، متساوية إلى حد ما، وليس لديهن نفس الطموحات.
مع ذلك، يجتمعن تحت سقف واحد، سقف جماعة دينية مُتسامح معها مؤقتاً، ويحاولن مساعدة بعضهن البعض في مواجهة الشدائد.
سيُضيف وصول طفل يتيم في الرابعة من عمره صعوبة إضافية إلى حياتهن اليوميّة.
سحق الشخصيات
تكمن خطورة هذا النوع من الأفلام في سحق الشخصيات تحت وطأة الموضوع السياسي الذي تحمله.
تنجح المخرجة سحيري بذكاء في تجنب هذا المأزق من خلال استكشاف ثلاث صور لنساء غامضات ومختلفات، ويساهم في ذلك اختيار طاقم الفيلم المتميز الذي يضفي عمقاً ضرورياً على القصة.
إذا كانت الأخوة حاضرة بالفعل كقوة مقاومة في وجه القمع، فإن حدودها تطرح تساؤلات أيضاً عندما تكون المعضلات مستعصية.
لا يسعى الفيلم إلى إضفاء طابع مثالي على شخصياته، بل يهتم أيضاً بتخلّي المضطهدين عندما يكون النضال شاقاً للغاية وتسيطر غريزة البقاء.
بتركيز الفيلم على هذه الشخصيات الثلاث وعدد محدود جداً من المواقع، نجحت سحيري أيضاً في تصوير عزلة المهاجرين داخل المجتمع التونسي.
بعض الشخصيات، المتناقضة في نواياها والمكتوبة بإتقان، تربط مجتمع المهاجرين بالمواطنين التونسيين. لكن الشعور بالفقاعة المنعزلة يبقى قائماً، كما أن الطريقة التي يُخفي بها الفيلم هوية الشرطة، معتبراً إياها تهديداً يحوم طوال الفيلم، وغير شخصي تماماً عند هجومها، لافتة للنظر أيضاً.
لكن ربما يكون هذا أيضاً هو حدود الفيلم، إذ يفتقر إلى كثافة السرد ونفحة من الواقعية، رغم وجود ممثلين غير محترفين وخبرة المخرجة كمخرجة أفلام وثائقية.
بتقييد نفسها في مساحات محدودة، يبدو الفيلم وكأنه يواجه صعوبة في التنفس وإيجاد إيقاعه، ما يمنعه من اكتساب بُعد النظر.
يظل فيلم “سماء بلا أرض” فيلماً رائعاً يتناول موضوعاً معقداً ومُلحاً. لا يسعنا إلا أن نُشيد بشجاعة أريج سحيري في اختياره ليكون فيلمها الروائي الطويل الثاني. ونُهنئ لجنة التحكيم على اختياره ليكون فيلم الافتتاح لمهرجان “نظرة ما”.
سماء بلا أرض ، فيلم من إخراج أريج سيري وبطولة آيسا مايغا، ديبورا ناني، ولتيسياكي، موعد العرض السينمائي غير معروف.