الثورة – رنا بدري سلوم :
” ممنوع ” كلمة تراودني مراراً وتكراراً، وكلّ ممنوع مرغوب، فسمحت لنفسي أن أعيد إظهارالممنوع من القصائد بعد أن كسرت سوريا أغلال الكلام ونالت حريّة صوتها بحناجر ثوارها وشعرائها، وهنا أستذكر ابن دمشق وياسمينها الشاعر نزار قباني حين كتب “هوامش على دفتر النكسة” قال فيها: “لقد خسرت الحرب مرتين..لأن نصف شعبنا ليس له لسان ،ما قيمة الشّعب الذي ليس له لسان؟!.
لأن نصف شعبنا محاصر كالنمل والجرذان في داخل الجدران.. لو أحد يمنحني الأمان من عسكر السلّطان.. قلت له لقد خسرت الحرب مرتين لأنك انفصلت عن قضيّة الإنسان”.
في وقت عبّر بقصائد تروي ظمأ الأحرار والثوار الذين كانوا يطاردون، ولأنهم دون وطن كالعصافير على” خرائط الزمن كانوا يسافرون دون ورق، وموتى دون كفن”، في قصيدته الممنوعة من التداول آنذاك عنوانها :”مواطنون دونما وطن”، يتحوّل الشّعر إلى أنشودة تكسر قضبان الطغاة ولن استرسل في الشرح بقدرما أطلق العنان لكلمات طال انتظارها وهي أسيرة الصمت وهي اليوم تعلن حريتها من صحيفة الثورة السوريّة ،وما أجمل الحريّة حين تقبع بين السطور، وتنتظر لحظة للتمرد ليس إلا، كانت القصيدة تلك مرآتنا المتعبة يصوّر قبّاني لنا فيها ما كنّا عليه :
“نبحث عن ستار تسترنا
وعن سكنٍ وحولنا أولادنا
احدودبت ظهورهم وشاخوا
وهم يفتّشون في المعاجم القديمة
عن جنّة نظيرة
عن كذبة كبيرة .. كبيرة
تدعى الوطن..
مواطنون نحن في مدائن البكاء
أوراقنا مريبة
أفكارنا غريبة
أسماؤنا لا تشبه الأسماء”
معتقلون داخل النص الذي يكتبه حكّامنا
معتقلون داخل الحزن ..وأحلى ما بنا أحزاننا
مراقبون نحن في المقهى ..وفي البيت
وفى أرحام! أمهاتنا
قيل لنا : ممنوع
وإذا تضرّعنا إلى رب السّما
قيل لنا : ممنوع
يعطوننا تأشيرة من غير ما رجوع
وإن طلبنا قلماً لنكتب القصيدة الأخيرة
أو نكتب الوصيّة الأخيرة
قبيل أن نموت شنقاً
غيروا الموضوع..
يا وطني المصلوب فوق حائط الكراهيّة
يا كرة النّار التي تسير نحو الهاوية
يا وطني المكسور مثل عشبة الخريف
مقتلعون نحن كالأشجار من مكاننا..
مهجّرون من أمانينا وذكرياتنا
عيوننا تخاف من أصواتنا
حكامنا آلهة يجري الدّم الأزرق في عروقهم
ونحن نسل الجّارية
لا سادة الحجاز يعرفوننا ..ولا رعاع البادية
ولا أبو الطيب يستضيفنا ..ولا أبو العتاهية..
مهاجرون نحن من مرافئ التعب
لا أحد يريدنا
لا أحد يقرؤنا
في مدن الملح التي تذبح في العام ملايين الكتب..
لا أحد يقرؤنا
في مدن صارت بها مباحث الدولة عرّاب الأدب..
مسافرون نحن في سفينة الأحزان
كلّ الجوازات التي نحملها
أصدرها الشيطان..
الكتابات التي نكتبها
لا تعجب السلطان
مسافرون خارج الزمان والمكان
مسافرون ضيعوا نقودهم ..وضيعوا متاعهم!.
ضيعوا أبناءهم ..
وضيعوا أسماءهم..وضيعوا انتماءهم..
ولا بنو ‘لينين، يعرفوننا ..ولا بنو “ريجان”
يا وطني..كل العصافير لها منازل
إلا العصافير التي تحترف الحريّة
فهي تموت خارج الأوطان”.