الثورة – عبد الحميد غانم:
شكّلت العلاقة بين الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة معضلة في فهم التركيبة الحقيقية لهذه العلاقة.. كيف تسير وما هي المعطيات التي تبنى عليها؟ ومن يقود من؟ وما هي حقيقتها هل هي علاقة بين كيانين أم هي كيان واحد يعمل من أجل قوى تقودهما؟ وكيف يؤثر هذا الكيان المصطنع بالكيان الكبير الذي يريد الهيمنة على العالم لمصلحته أم لمصلحة كيان إسرائيل؟.. أسئلة عديدة شغلت اهتمام الباحثين، وأُلفت كتب عديدة حول هذا الموضوع.
كتاب جديد يضاف إلى المكتبة العربية والأعمال البحثية حول تلك العلاقة، وهو:
الكتاب: “حقيقة العلاقة بين إسرائيل وأمريكا”
الكاتب: توفيق المديني
الناشر: دار كنعان للدراسات والنشر والخدمات الإعلامية، دمشق، الطبعة الأولى – فبراير 2024
(269 صفحة من الحجم الوسط).
يهدف الكتاب إلى تسليط الضوء على حقيقة العلاقة بين كيان إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وعلى حجم اللوبي الصهيوني AIPAC (اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للعلاقات العامة) في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك من أجل دحض الأطروحات الخاطئة والصورة المضخمة الرائجة في الوطن العربي حول تأثير اليهود الأمريكيين المطلق في السياسة العامة الخارجية الأمريكية، وذلك من خلال دور هذا اللوبي في الجهازين التنفيذي والتشريعي، للولايات المتحدة الأمريكية، من جهة، ومن خلال الزعم بتحكمه بمفردات الحوار السياسي المتعلق بإسرائيل، عبر وسائل الإعلام والسينما ودور النشر، التي تؤهله لتعبئة الرأي العام نحو طروحاته السياسية من جهة أخرى.
ويتناول الكتاب في فصوله الإحدى عشر تلك العلاقة، وهل فعلاً أنَّ هذا اللوبي الذي يعد امتداداً موضوعياً لليهود ونوعياً لإديولوجيتهم الصهيونية، وأنه بفضل إمكانياته المعلوماتية والعلائقية والمالية، يمتلك القدرة على توجيه القرار العام الخارجي الأمريكي لما يخدم مصلحة إسرائيل، وليس أمريكا؟ وهل من الصحيح أن هناك سلطة أحادية الجانب في السياسة الخارجية الأمريكية، هي سلطة اللوبي الصهيوني، و لاسيما في الشق المتعلق بالشرق الأوسط تمارس ضغطاً مباشراً على الرؤساء الأمريكيين، حيث أن نجاح أو إخفاق أي رئيس أمريكي يبقى مرهوناً بأموال وأصوات اللوبي الصهيوني، كما تروج له الفكرة السائدة في العقل السياسي العربي؟
وينوه الكاتب المديني أنه في سياق المحاولات لفهم طبيعة العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، كثيراً ما يجري تناولها من زاوية محددة، أو بنظرة أحادية الجانب، إذ تحرص إسرائيل والحركة الصهيونية العالمية على تقديم صورة مضخمة لنفوذ اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية وهي تهدف من وراء ذلك إلى تخويف أعداء كيان إسرائيل وإظهاره بمظهر القوي المتحكم في القرار السياسي الأمريكي ليبدو وكأنه يتقمّص سمات الموقف الإسرائيلي بصورة لا يستطيع أحّد أن يفرّق بين صوت رئيس الوزراء الإسرائيلي وصوت الرّئيس الأمريكي في كل الأوساط الدّوليّة داخل وخارج الأمم المتّحدة.
وفيما درج الفكر السياسي العربي على إظهار الولايات المتحدة أمة تستحق الإشفاق، إذ إن قرارات هذه الدولة العظمى وتوجهاتها وسياساتها تصنع على يد الطباخين الصهاينة، حيث تستثمر إسرائيل هذه الصورة المضخمة لبث اليئس في نفوس العرب والمسلمين من إمكانية التأثير في الرأي العام الأمريكي والسياسة الخارجية الأمريكية المنحازة إلى جانب الكيان الصهيوني، فإن الكتاب يؤكد أن إسرائيل ليست إلا مجرد أداة أمريكية تقوم بدور وظيفي لحماية المصالح الاستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ولاسيما بعد أن شيعت الولايات المتحدة مبدأ مونرو لتخرج من عزلتها التقليدية إلى معترك الصراع الدولي، وتعاظم دور الأداة لتتحول إلى عصا غليظة لإخضاع شعوب المنطقة وتنفيذ المخطط الأمريكي في الهيمنة.
وتدحض الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنان بما لا يقبل الشك نظرية اللوبي الصهيوني، فقد وجد الكاتب المديني أن أمريكا كانت أكثر حماساً لخوض إسرائيل هذه الحرب، وكانت متمسكة بإطالة أمدها العدواني، وذلك من أجل تقديم مساعدة لما يسمى بحرب أمريكا على الإرهاب. فكيان إسرائيل في تلك الحرب كان يقوم بوظيفة حربية في خدمة استراتيجية الإمبريالية الأمريكية.
وعلى أي حال، يعد الكتاب بحق دراسة اعتمدت المنهج النقدي التحليلي من خلال تقديم الأدلة للوصول إلى النتائج الواقعية، ولم يعتمد على تصورات متداولة وقدم في الفصل الثامن نماذج تطبيقية، لربط الأفكار والنظرية بالواقع والمعلومات لتأكيد بحثه وخلاصاته، ما يشكل مرجعاً علمياً أكاديمياً، وهو الأسلوب الذي يتميز به الباحث المديني.