الثورة – علاء الدين محمد:
الخلط الكبير بين مفهوم الأسطورة ومفهوم الخرافة، هل تعني الأسطورة شيئاً غير حقيقي..؟ ماذا نعني بالأسطورة؟ لماذا نجد تشابهاً كبيراً بين كل السرديات عبر التاريخ وكل الحضارات، وحتى الأديان وما قبل التاريخ هناك بعض الرموز المتشابهة والمستمرة بالانتقال من جيل إلى ٱخر ومن شعب إلى شعب ومن ثقافة إلى ثقافة، والموضوع ليس شكلياً فقط ، بل هو أعمق من ذلك.
حول ما تقدم أقيمت الحلقة الرابعة عشرة من الصالون الفكري الأدبي في ثقافي المزة تحت عنوان “أساطير الأولين” شارك كل من الشاعر إبراهيم منصور والشاعر أمير السماوي والشاعر غدير إسماعيل وآخرين.
الشاعر إبراهيم منصور تحدث عن الأصل والدلالة لأساطير الأولين، فأوضح أن الموضوع في العمق يشير إلى بنية فكرية واحدة لدى البشر جميعاً، طريقة الإنسان في التعامل مع الوجود، أي العلاقة بين الوعي والوجود بين الذات والموضوع بين الإنسان والعالم، فالإنسان دوماً بحاجة إلى وسيط لكي يفهم هذا العالم، قد يكون هذا الوسيط في البداية سحراً أو قد يكون فيما بعد خرافة، ومدى تطابق الفكر مع الوجود هنا تكمن المشكلة الحقيقية، ففي صالوناتنا الأدبية جرت العادة أن لا يوجد أفكار مقدسة والجميع قابل للنقد، وكذلك جميع الأفكار قابله للنقد ونحن أتينا لنتحاور ونتناقش ونتبادل الأفكار.
وأضاف: بداية سنذهب إلى العالم البدائي الذي سبق الأسطورة كيف كان يعيش الإنسان، منذ البداية وجد نفسه ملقاً في عالم موحش مظلم حيث ما يتجه تحيط به الأهوال والمخاطر، وحيث يهرب لا يجد ملجأ وحيداً منعزلاً، وكان ذا عمر قصير أن يصل إلى درجه معرفية تمكنه من التدبر وتراكم الخبرات، فالحيوانات المفترسة من جهة والظواهر الطبيعية الغامضة من جهة أخرى، وفي خضم ذلك كله لم يكن أكثر من جسم يحركه غرائزه المتمثلة بالحاجات الحيوية الأساسية، كالجوع والعطش اللذان دفعاه إلى التقاط الثمار وعلك أوراق الشجر، وتتبع الحيوانات للعثور على مصدر الماء ولعقها من البرك الآسنة أو المياه الجارية، يتنقل مرتاباً ويبصر الأشياء بعين الخوف، وقبل أن تتحول مشاهداته إلى صور ذهنية قابلة للحذف والتخزين والاستحضار نمت جمجمته تلك، وهي خلاصة أغلب الكتب عن هذا الموضوع وبدأت تنمو قدراته لأكثر من مليوني سنة على هذا المنوال، فصنع الأدوات كسكاكين الصوان والعصير المسنونة التي قلصت فارق القوة بينه وبين الحيوانات المفترسة وأصبح قادراً على إنجاز أعماله بصورة أكبر وزمن وجهد أقل، والدفاع عن نفسه بدرجه مقبولة، وهكذا تحول الإنسان إلى كائن يمارس العنف كلما استدعت الضرورة مدفوعاً بالقوة المضاعفة التي قدمتها الآلة التي اخترعها.
ولفت إلى أنه انتقل من مرحله الالتقاط السلبي إلى الصيد “التأمين الإيجابي” للطعام، فتنوعت الخيارات الغذائية، والأهم أنه ضمن استمرارها، لقد كان إنساناً ضعيفاً بالتأثير على بيئته، بالرغم من كل ذلك لأنه مسكون بخوف مستمر من كل ما يحيط به، وهنا بدأ بالسحر قبل الأسطورة، ولجأ إلى الكهوف، وهنا اكتشف سراً طبيعياً عظيماً هو النار، وهذا الاكتشاف غير كل شيء، فعندما روض النار امتلأت إمكانات غير محدودة من الغذاء والأمن والقوة، والثقافة والتي هي بأبسط تعاريفها أنها كل أنماط الحياة، بداية باللباس بالطعام بالسلوك اليومي بالتعامل مع الطبيعة مع الأفكار مع وراء الطبيعة.
أما أمير السماوي قال: إن “أساطير الأولين” هي الأسماء التي علمها الله لأدم، فالأسطورة هي بناء رمزه كبير استطاع الإنسان من خلاله أن يفسر هذا الكون، أما الخرافة فهي تفكير سببي.
بينما غدير إسماعيل ذكر أن الأساطير هي قصص وردت في الذاكرة الجمعية للمجتمع، وبرأيه نشـأت الأسطورة في ظل غياب المنهج العلمي، حيث ظهرت كمحاولة من العقل البشري لتفسير الظواهر وتفسير الواقع المعاش في لحظة تاريخية معينة مرتبطة ضرورة بالتكوين الثقافي للأمة التي أنتجت تلك الأسطورة، أي لا نستطيع أن نقول إن هناك حالة عامة للأساطير ،فعلى سبيل المثال لا الحصر الأسطورة السومرية ، وإن تشابهت في بعض مفرداتها مع الصورة اليونانية إنما تفترق عنها بحكم المكون الثقافي للأمة، واللحظة التاريخية التي ظهرت بها هذه الأسطورة.
سؤال لم يجد الإنسان مدة من الإجابة عليه.. أين وصل به الأمر إلى أن هناك لا بد من الإجابة لكي تستمر الحياة، فلا أحد عاد من الموت ليخبرنا ماذا حدث، ولا نعرف ماذا حدث في العصور القديمة.
الأسطورة أصبحت بهذا المعنى مكوناً معرفياً خاصاً بكل شعب على حدة.