نضال بركات:
لم يكن مستغرباً الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن ضد عضوية الدولة الفلسطينية لأنها تؤكد الرؤية الأساسية للكيان الصهيوني الذي يعرقل إقامة هذه الدولة, لدرجة أن واشنطن حاولت قبل أشهر وفق ما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية تمرير ذلك مقابل تطبيع العلاقات ما بين “اسرائيل” والسعودية إلا أنها اصطدمت بالموقف الإسرائيلي الرافض لهذه الدولة, وبالتالي فإن واشنطن لم ترضخ لإسرائيل وحسب وإنما استمرت في التنسيق معها عبر اجتماعات يومية من أجل اقتحام “إسرائيل” لمدينة رفح.
هذا الفيتو هو الثالث منذ عدوان اسرائيل على قطاع غزة في أكتوبر الماضي حيث سبق لها أن استعملت حق النقض مرتين قبل الآن، فبينما يسعى العالم إلى إيقاف العدوان الوحشي على قطاع غزة والعمل على التوصل إلى السلام هناك، أحبطت الولايات المتحدة كل الجهود الدولية، عن طريق استخدام حق “الفيتو” ضد قرار مجلس الأمن الذي يدعو إلى “هدنة إنسانية” في غزة، شهري أكتوبر وديسمبر الماضيين, لكن الفيتو الأمريكي الجديد يمثل جريمة جديدة، من جرائم الولايات المتحدة التي تهدف إلى إنكار حقوق الشعب الفلسطيني، ويؤشر إلى نسف واشنطن لكل محاولات خلق أفق سياسي للقضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.
الاستهتار الأمريكي بالحقوق الفلسطينية المشروعة تريد واشنطن حصرها عبر تفاوض مباشر بين الإسرائيليين والفلسطينيين وبرعاية مباشرة منها, وهذا ما يؤكد أن الشعب الفلسطيني لن يحصل على حقوقه المشروعة لتعود بنا الذاكرة إلى ما حاولت به عبر اتفاق أوسلو الذي لم يعط الفلسطينيين حقوقهم خاصة وأن هذا الاتفاق كان فخاً وقعت به السلطة الفلسطينية, وفق ما أكد الرئيس الراحل ياسر عرفات وكشف عنه مصطفى البرغوثي حيث قال: إن هذا الاتفاق لم يعط القوة للمفاوض الفلسطينيي وإنما لإسرائيل الذي استخدمته نهجاً لإفراغ عناصر القوة التي كانت بيد الفلسطينيين, ونتيجة هذا الاتفاق اعترفت السلطة بإسرائيل دون أن تعترف “إسرائيل” بدولة فلسطينية وإنما اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية والمشكلة الأكبر هي الاعتراف “بإسرائيل”, وهذا ما كان قد حذر منه القائد الخالد حافظ الأسد عندما التقى عرفات في دمشق ونصحه بعدم التوقيع على الاتفاق فقال: إن “إسرائيل” لن تلتزم بأي بند من بنود الاتفاق وستتوسع في سيطرتها على الضفة الغربية, والرئيس عرفات أدرك هذا الخطأ فيما بعد عندما دخل شارون المسجد الأقصى, ولهذا سمح ببدء الانتفاضة الثانية ودفع حياته ثمناً لهذا الاتفاق, وبالتالي فإن الفيتو الأمريكي الجديد إشارة قوية بأن واشنطن لن تتراجع عن دعمها لهذا الكيان رغم مجازره اليومية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة لأنها تعلم بأن انتصار المقاومة سيضعف “إسرائيل”, وهذا ما لا تريده رغم أن الرأي العام العالمي الذي عرف حقيقة “إسرائيل” الإجرامية بات مناصراً قوياً للفلسطينيين, وبالتالي فإن الولايات المتحدة لن تدخر جهداً لإضعاف الفلسطينيين ولن تسمح بانتصار المقاومة في قطاع غزة, وأدركت المقاومة ذلك جيداً لتفرض شروطها في المفاوضات وتؤكد معادلة القوة في مواجهة المحتل الذي يغوص في رمال غزة بحثاً عن إنجاز ما لتسويقه, ولهذا تتواصل الاجتماعات اليومية بين القيادتين العسكرية الأمريكية والإسرائيلية من أجل اقتحام رفح والقضاء كما يدعي على المقاومة.
استخدام الولايات المتحدة للفيتو في مجلس الأمن لثلاث مرات ودعمها للكيان الغاصب يشير إلى انعدام الأخلاق، وعدم احترام القوانين الدولية، ووجود رغبة لديها لاستمرار المذبحة والإبادة الجماعية و”التطهير العرقي” ضد الفلسطينيين في غزة.