الثورة – دمشق – مرشد ملوك:
في كل مرحلة يحتاج المرء إلى تحديث “سيرة حياته المهنية” ستعطيه محركات البحث العالمية بأن عليه أن يبدأ – كشخص- من حيث انتهى.. في إشارة مباشرة إلى الخبرات التي وصل إليها في مسيرته المهنية والشخصية، وتالياً يأتي موضوع الشهادات العلمية والمهارات الأخرى التي حصل عليها، وهذا يعطي دلالات على أن العمر والزمن مجرد خط وهمي في الحاجة للخبرات أو عدمها، والأهم هي الخبرات المبنية على أساس علمي استطاع صاحبها استثمار العلم على شكل خبرات.
نظرياً يغادر المرء العمل العام والخاص في سورية بعد بلوغه سن الستين، وعملياً ترى الكثير من الخبرات تستمر بالعمل في القطاع الخاص وحتى العام بدون أي ضمانات قانونية سوى العلاقات الشخصية التي مكنتها من الاستمرار، والكثير من خبرات ما بعد الستين يلجأ إلى أعمال حرة تليق بخبرة الشخص أو لا تليق حسب ظروف كل فرد وحاجاته.
مؤسستا التأمينات الاجتماعية والتأمين والمعاشات
في السياق المؤسسي هنا، تبدو كل من مؤسسة التـأمينات الاجتماعية التي تتبع وزارة العمل ومؤسسة التأمين والمعاشات التابعة لوزارة المالية، هي الوعاء المؤسسي الأساس الذي ينضوي تحته أهل ما بعد الستين وحتى ما بعد الخمسين في بعض القطاعات.
لكن الواقع يؤكد غياب كل من المؤسسة “العامة للتأمينات الاجتماعية”، و”مؤسسة التأمين والمعاشات”، عن المشهد الاجتماعي والاقتصادي والإنساني تماماً في سورية، ولم تستطع هاتان المؤسستان أن توائم نفسيهما مع الاختلاف الجذري الهائل الذي ضرب كل نواحي الحياة في بلاد غيرت الحرب كل معادلاتها الاقتصادية والاجتماعية الإنسانية والعمرية.
عقل روتيني امتد لعشرات السنين
تتابع مؤسسة التأمينات الاجتماعية عملها الروتيني الاعتيادي بتقديم الخدمات التقليدية لمنتسبيها من العاملين في الدولة وفي القطاع الخاص، وفي كل عام يصدر قانون جديد لإعفاء المتأخرين من أرباب العمل في القطاع الخاص من غرامات وفوائد التأخير في حال يعكس الإكراه في الاستمرار بـ “التأمين الاجتماعي” تحت كنف مؤسسة التأمينات الاجتماعية، الأمر الذي لم يسترع انتباه إدارات هذه المؤسسة التي يقترب عملها من درجة القدسية نظراً لدورها الحساس والكبير في الحياة الاجتماعية السورية، لكنها تكرر كل عام اقتراح مشروع قانون للإعفاء من دون البحث عن محفزات جديدة للجذب وفكر جديد في التأمين الاجتماعي.
محاولات قد يكون مصيرها كمن سبقها
أعلم أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تدأب اليوم لتطوير ورقمنة عمل هذه المؤسسة الاجتماعية وحتى التفكير من خارج الصندوق في استثماراتها لتعزيز مكانتها المالية، لكن التكبيل والاستهانة بدور هذه المؤسسة من جميع الجهات هو السائد، وهذا فعل غير كاف في ظل ازدياد عدد الخارجين من العمل العام بعد الستين وحتى قبله بكثير، وهذا ما يزيد تحديات التأمين الاجتماعي في سورية، وهو بالأساس يعاني على مر عشرات السنين من الروتين، الذي لم يستطع تقديم أي عامل جذب لأي متقاعد في القطاع العام والخاص.
في كل بقاع الأرض تبقى روح العمل والإنجاز والحياة متقدة إلى عقود متقدمة جداً بالعمر، ونتابع أخبار الإبداع والابتكار والاستمرار لأشخاص في العقد الثامن والتاسع من العمر، ولا تتورع هذه المستويات المتقدمة من العمر من الدخول حتى إلى المراحل الجامعية الأولى.
القصص المؤثرة تولد عفوية
والأمر ليس عفوياً.. وكل القصص المؤثرة في المجتمع تولد عفوية، لكن سرعان ما تتلقفها مؤسسات اجتماعية واقتصادية مهتمة ولها مصلحة برعاية وتسويق أصحاب الخبرات العميقة بغض النظر عن خط العمر الوهمي الذي يفصل بين التقاعد وما قبله أو بعده، وهنا تبدو مؤسستا التأمين الاجتماعية ومؤسسة التأمين والمعاش، هي الوعاء المؤهل لحمل خبرات وفكر ما بعد الخمسين والستين، لأن كل العقول في الجامعات وفي المؤسسات البحثية وفي أكبر وأصغر المؤسسات الاقتصادية والخدمية الخاصة والعامة، وحتى في مؤسسات التأمين نفسها الكثيرة، فإنها تؤمن كوادرها اجتماعياً لدى مؤسسة التأمين الحكومية.
سفسطة وعفوية
ولو أردنا الدخول في قصة الرعاية الاجتماعية المطلوبة من مؤسسة التأمين الاجتماعية ومن مؤسسة التأمين والمعاشات، مثل تقديم خدمات الرعاية الاجتماعية والصحية للمسنين وصولاً لقصص السياحة التي نراها في كل مؤسسات الضمان الاجتماعي في العالم، سيبدو الحديث فيه الكثير من السفسطة والعفوية، لأن رواتب التقاعد المتزايدة كل يوم لولا تدخل الحكومة بين فترة وأخرى لكانت وقعت مؤسستا الضمان بعجز كبير.
لكن هل يجب أن تستمر هاتان المؤسستان بنفس العقلية ونفس الروتين من عشرات وحتى مئات السنين..؟؟ وهما من تضمنان خلاصة الفكر والخبرات السورية في كل مناحي الحياة…!!!.