الثورة _ هفاف ميهوب:
«إنني أؤلّف كتاباً عن الصدمة، عن كيفية تعرّض البلدان لها، بواسطة الحروب والهجمات الإرهابية والانقلابات والكوارث الطبيعية، وعن كيفية تعرّض تلك البلدان لصدمة ثانية، من خلالِ السياسيّين الذين يستغلون الخوف والضياع الناجمين عن الصدمة الأولى، من أجلِ فرض معالجة بالصدمة الاقتصادية».
مقدمةٌ، تختصرُ كلّ ما أرادت الكاتبة الكندية «نعومي كلاين» أن تقوله عن «عقيدة الصدمة».. الكتاب الذي يفضح الأسطورة الديمقراطية للرأسمالية العالمية.. رأسمالية الكوارث التي تسعى للهيمنة على العالم، عبر أسواقٍ اقتصادية حرّة، مهمتها افتعال الحروب والأزمات في البلدان التي تستهدفها، وتُمارس عليها السياسة التي أسمتها: «سياسة المعالجة بعقيدة الصدمة».
إنه ما تناولته «كلاين» مشيرة إلى أن ما جرى في كلّ الدول والبلدان التي استهدفتها هذه السياسة، هو ذاته ما حصل في دولة العراق التي فرّغ الاحتلال إنسانها من هويته، وأدخله في رعبٍ أسود، شلّ تفكيره وإرادته.. استُبدل نظامها الاقتصادي بنظام الصدمة، وعبر مراحل مرّرت مدرسة شيكاغو «الرأسمالية» خلالها، قوانينها التي حوّلت العراق من بلدٍ مزدهر اقتصادياً، إلى بلدٍ مدمّر، عملت الصدمة على شلّ كلّ ما فيه، اجتماعياً وإنسانيّاً وسياسياً.
لم تنفّذ «مدرسة شيكاغو» خطتها التدميرية هذه، بعد 11 أيلول فقط، بل وقبل ذلك في أندونيسيا، تشيلي، بوليفيا، وعموم أميركا اللاتينية، وأيضاً روسيا وأوروبا الشرقية.
إنها السياسة التي رأتها «كلاين» فاشلة وجحيمية.. ذلك أن هدفها، أن تتخلّى الدول المستهدَفة عن كلّ متطلباتها وحقوقها، بل وثقافتها وتعليمها واقتصادها وحياتها الاجتماعية.
أما عن السبب الأكبر لفشل هذه السياسة، وفي كلّ الدول التي طُبّقت فيها، فوجدته يكمن في مذهبها الذي يقوم:
«يقوم مذهب رأسمالية الكوارث، على استغلال كارثةٍ ما أو تصنيعها، سواء كانت انقلاباً، أو هجوماً إرهابياً، أو انهياراً للسوقِ، أو حرباً أو إعصاراً، من أجل تمريرِ سياساتٍ اقتصادية واجتماعية، يرفضها السكان في الحالة الطبيعية»..
إذاً، هي عقيدة الاستغلال والتلاعب الاقتصادي، بأسواق البلدان التي تستهدفها، لصالح السوق الحرّة والرأسمالية العالمية.. العقيدة التي تدعو إلى حربٍ دائمة، كانت «فلسطين» وما زالت مستهدفة فيها، من قِبل رأسمالية الكوارث.. الرأسمالية التي «تُعتبر اسرائيل البلد الأكثر تقدماً في تبنّيها وإدارتها، وعلى مدى حروبها واعتداءاتها وسياستها التدميريّة».
باختصار: الكتاب يفضح المتلاعبين بمصير المجتمعات.. صنّاع الحروب والكوارث والمجازر والأزمات.. يكشف بالوثائق والتواريخ والأسماء والأدلة، مخطّطات وأفكار قادتها، ومن تتلمذ على أيديهم من رؤساءِ ووزراء وطغاة العالم بأكمله.. من أميركا، بريطانيا، بولندا، ودول العالم الثالث التي أيّدت سياستهم وشعاراتهم وتجاربهم وأساليبهم، وغير ذلك مما نراه يدمّر الإنسانية بسياسته وعقيدته.
نعم، سياسته وعقيدته.. «عقيدة الصدمة» التي تعود فكرتها، للطبيب النفسي الكندي «دونالد كاميرون» الذي كان أوّل من طبقها على مرضاه، وبعد أن قام بأبحاثٍ موّلتها وكالة الاستخبارات الأميركية التي طوّرتها بعدها، لتقوم بتطبيقها في معتقلاتها.. مثلاً: في «غوانتنامو» و «أبو غريب»..
يفضح الكتاب هذه العقيدة، والتجارب التي قام بها شيطانها.. يفضح أيضاً، عقيدة شيطانٍ آخر، هو الاقتصادي «ميلتون فريدمان» الذي كان قد بدأ، وفي الوقت الذي كان فيه «كاميرون» يقوم بتجاربه في كندا، بإجراءِ تجارب مماثلة، ولكن لتطبيق «الصدمة الاقتصادية».
يؤكّد كلّ ذلك، ما يحدث في العالم من كوارثٍ وحروبٍ وأزماتٍ، تُشعر الشعوب بالخوف وتصيبهم بالصدمة.. ما يحدث في فلسطين أيضاً، وتحديداً في غزة، وهو ما تؤكده تصريحات مسؤولين اسرائيليين، بيّنوا بأن خططهم تُبنى على فرضِ واقعٍ مختلف، يسعون فيه لرسمِ حياة ووعي ومستقبل جديد، بل وذاكرة يتمّ رسمها على «صفحات بيضاء» لا أثر فيها للذاكرة الأصليّة للفلسطينيّين.