الملحق الثقافي- علي حبيب:
صدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق كتاب جديد للباحث نبيل فوزات نوفل بعنوان حكومات الخراب 2023م.. يقول المؤلف في مقدمة كتابه:
شهدت المجتمعات البشرية تطورات وأحداثاً، بعضها كان له أثر إيجابي والآخر سلبي، وكان لقوى الإمبريالية التلمودية دور بشع وقبيح أثر على مسيرة الشعوب التنموية والحضارية، فزادها فقراً، بل دماراً وتقسيماً، وأمام ذلك ليس أمام أحرار الأمة إلا النهوض والتصدي وترصد هذا التوحش القادم من الدول الاستعمارية بقيادة الإمبريالية الأميركية لتعرية أهدافها وخططها ووسائلها.
إنها دراسة فكرية سياسية حول الحكومات التي تمارس الاحتلال والسطو ونهب خيرات الشعوب الأخرى، وتسعى للتدخل في شؤونها الداخلية، ورسم مسارات حياتها بما يتوافق مع مصالحها الذاتية يقدمها الباحث نبيل فوزات نوفل في كتابه الجديد الذي حمل عنوان «حكومات الخراب».. هل من سبيل للمواجهة؟.
ويحمل الكتاب جملة من التحليلات والأفكار التي ترصد دور حكومات الخراب في منع تطور بعض الدول والشعوب، وتؤسس دولاً وكيلة لها في أماكن مختلفة لتسخرها في خدمة مشاريعها، فتمارس القهر والاستغلال وتخريب الثقافة والاقتصاد، ونشر الفكر المتخلف والإرهاب التكفيري.
لقد أطلق الباحث نوفل مصطلح حكومات الخراب على الدول التي تمارس الاحتلال، والسطو على ثروات الشعوب، ونهب خيراتها، والقتل والإرهاب وتدمير ثقافتها وحضارتها، وتسعى للتدخل في شؤونها الداخلية، ورسم مسارات حياتها بما يتوافق ومصالحها الذاتية في مجالات الحياة المختلفة، ومنعها من امتلاك التقانات المتطورة لتبقى متخلفة وتابعة وتحت هيمنتها، إلى جانب مصطلح حكومات الخراب التابعة، والتي هي صنيعة حكومات الخراب، و تابعة لها، ومنفذة لمصالحها، ووكيلة لها في نهب شعوبها، وتسخيرها في خدمة مشاريع هذه الحكومات، حيث مارست القهر والاستغلال، والتخلف ضد شعبها، وتنشر الفكر المتخلف، ولا ترعى العلم والثقافة، لكي تبقي شعوبها جاهلة خاضعة فقيرة، فهي تطبق سياسات اقتصادية رسمت خطوطها العامة حكومات الخراب الكبرى ..و تعددت المواضيع التي طرقها الباحث، وقد صنفها في خمسة فصول، فكان الفصل الأول تحت عنوان حكومات الخراب الكبرى، تحدثت فيه عن حروب حكومة الخراب الكبرى الجديدة، غير التقليدية التي تعتمد على القتل البطيء وتدمير الدول دون تكاليف، فهي تعتمد على أن يقتل الخصم أو الجهة المستهدفة نفسها بنفسها، فتقتل العدو بماله ودمه، وبينا كيف تم ممارسة ذلك في الحرب التي استهدفت أمتنا العربية تحت مسميات مختلفة، وأهم أسلحة هذه الحرب وسائل الإعلام بأصنافها المختلفة، فأشار إلى أهم المحاور والقضايا التي يركز عليها أعداء الأمة العربية في سياستهم لتدمير العقل العربي، وبينا دور حكومات الخراب الكبرى في رعاية الفكر التكفيري وتجهيل العقل العربي.
أما الفصل الثاني فتم فيه الحديث عن القوى التي تستخدمها حكومة الخراب العالمية الكبرى في حربها ضد الأمة العربية والشعوب الإسلامية، وهما حكومتا الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة وتركيا من خلال العثمانية الجديدة التي يقودها اليوم حزب العدالة والتنمية، الذي هو أداة تنفيذ لمشاريع الغرب الاستعمارية متلحفاً بعباءة الإخوان المسلمين، وكشفنا الأهداف التي يطمح إليها.
وفي الفصل الثالث، تحدث عن الفكر العربي والحداثة والتنوير في مواجهة حكومات الخراب منوهين بالنظرة القاصرة لبعض المفكرين العرب للحداثة، واقترحنا رؤية للحداثة متناسبة مع واقعنا العربي وثقافتنا وقيمنا، تعطي الأولوية للعقل، وأشرنا إلى الكوابح والروافع للفكر العربي، ولم يغب عن ذهننا موضوع على غاية من الأهمية، بل بات الأساس في تقدم الأمم والشعوب وهو الاستثمار في العقل، فاقترحنا بعض الرؤى للاهتمام بالعقول والكفاءات الشابة وتوطينها في وطننا بدل استنزافها وهجرتها ، وقدمنا بعض الرؤى التي رأيناها تساهم في تعزيز مكانة المبدعين، وذلك من خلال الاستثمار في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، ورفع المستوى المادي للباحثين، وخاصة في البحوث الاستراتيجية والتقانية، ونظراً لكون كل الآراء تحتاج لمن يأخذ بها ويطبقها، وكان حديثه في الفصل الرابع عن الأحزاب السياسية في الوطن العربي ودورها في مواجهة مشاريع حكومات الخراب بنوعيها، فأكد على مجموعة مهام ذاتية وعامة لها ومن بينها، تعزيز ثقافة المسؤولية في المجتمع، لأنها تساهم في تحصين المجتمع من مظاهر الخلل والفساد والهدر، وكان لا بد من الحديث عن توافر القائد الاستراتيجي نظراً لأهمية القادة في حياة الشعوب ودورهم في النهوض بمجتمعاتهم من خلال ما يملكونه من فكر استراتيجي يجنب الأمة المخاطر ويستثمر طاقاتها بالشكل الذي يجعلها مهابة الجانب عزيزة مكتفية ذاتياً.
، كما تحدثنا عن الهوية والانتماء و ماهية القومية والعوامل التي تساهم في تقويتها والعوامل التي تضعفها ودور الهوية في تعزيز الانتماء، فأكد على العوامل التي تعزز الهوية والانتماء ودورها في تحصين الأمن القومي للأمة العربية، وكان عنوان الفصل الخامس نحو إعلام عربي جديد، نظراً لدور الإعلام في العصر الحالي الذي بات الأهم في كل مظاهر الحياة، وأهم الأسلحة التي تستخدمها القوى الاستعمارية للسيطرة على الشعوب ونهب ثرواتها وتدميرها تحت ما يسمى حروب الجيل الرابع والخامس التي تعتمد على الحرب الإعلامية وتشويه الحقائق واغتصاب عقول الناس وتشويهها من خلال حرفها عن الحقائق وإغراقها في قضايا عدمية تزيدها ضعفاً وتخلفاً وتمزقاً ليسهل السيطرة عليها ..إن ما قدمه الباحث نبيل نوفل يساهم إلى جانب المفكرين والمثقفين من أبناء الأمة المخلصين للنهوض بهذه الأمة من كبوتها واللحاق بركب الحضارة الإنسانية، وامتلاك الموقع الذي نستحقه في طليعة الأمم كوننا أمة عريقة حضارياً وإنسانياً.
لقد دوّن الكاتب في الخاتمة خلاصة تتضمن حقيقتين، الأولى: بأن كل هذه المشاكل والأحداث هو سببه سياسة أميركا والغرب من أجل استغلال هذه الشعوب وتفكيكها اجتماعياً، وخلق مستوطنات فكريّة وسياسيّة واقتصاديّة وفئويّة وترسيخها، لضرب كل فكر جامع ومانع للشر، أما الثانية: أن قوى الخراب العالمي لا تؤمن بالحوار، ولا بالديمقراطية التي تتشدق بها ليل نهار، وهذا يتطلب من الدول التي تعادي أميركا أن تتعاون وتتكاتف مع بعضها البعض في مواجهه هذه الحكومات المرتبطة بها، لأنها تمتلك قوّة الثقافة والحضارة، ولديها قدرات ماليّه وثروات هائلة، التي تهدر من خلال نشوب هذه الحروب وإثارة النعرات الطائفية العشائرية.
الكتاب استند إلى المراجع الموثّقة الداعمة للحقائق والقرائن التي تناولها الكاتب في هذا البحث، فأعطى إشراقة معرفيّة لكل دارس أو باحث يتناول هذا الجانب، ويُعدُّ الكتاب مرجعاً أساسياً في الدراسات الفكريّة والسياسيّة، ولكل طالب في علم في هذا المجال.
يشار إلى أن الباحث نوفل عضو مجلس اتحاد الكتاب العرب وعضو جمعية البحوث والدراسات في اتحاد الكتاب العرب وعضو هيئة تحرير مجلة الفكر السياسي، ومن مؤلفاته دراسات في الفكر السياسي، والمثقفون في الوطن العربي، والمياه العربية التحديات والمستقبل، والمحرقة والخلاص، والإرهاب الدولي، ووعي اللغة العربية وغيرها، وشارك في العديد من الندوات والأنشطة الثقافية والإعلامية.
العدد 1186 –23-4-2024