الملحق الثقافي-سعاد زاهر:
مجرد حقيبة صغيرة ملأتها ببعض الأغراض في فصل انتقالي يفصل بين برودة مقيمة وحرارة تهجم في غير أوانها، ستمضي بضعة أيام تتخفى فيها بعيداً عن ضوضاء مصطنعة تخفي ورائها شيئاً لم تعد تفهمه.
بعد مرور أشهر عدة استغربت كيف أنها لم تحتج شيئاً خارج تلك الحقيبة التي وضبتها على عجل، وتنتمي محتوياتها لفترة قصيرة من العام حين يكون الجو معتدلاً، غارقاً في انتعاشة لا تتكرر سوى في موسم جديد.
المنزل الذي استقرت فيه عكس كل ما تمنته يوماً، وفيه كل ما هربت منه، ومع ذلك لم تشعر بأي استياء، حتى تلك الشوارع العتيقة المظلمة، بدت وهي تجوبها لشراء شيء ما تعده لطعام الغداء أو العشاء غريبة توحي بمشاعر غامضة تختلط فيها هواجس الطفولة بذكريات مذاق غريب لكل تلك الأمكنة التي لطالما أضجرتها أقاويلها وضيق علاقاتها ومحدودية الانتماء إليها.
اعتقدت أنها مجرد بضعة أيام، وهاهي تمشي باتجاه وقت غير محدد فرضته الظروف حين اختفت من دربها كل ما اختارته يوماً بثبات مطلي بطعم الخديعة وزيف مر عميق، الغريب أنها هنا تشعر بتلاشي كل تلك التجارب التي عاشتها عمراً بأكمله في حياة لطالما اعتقدت أنها عميقة المعنى.
مع بدء ذوبان تلك المشاعر المتجمدة في حياة لا تدري إن كانت مؤقتة حقاً، تشعر أنها تمشي في لوحة لا شيء فيها سوى ريشة تمرر ضرباتها برفق وضوء خافت يفضي بها إلى حواري غامضة تشعر أنها مشت يوماً، وهربت منها، واليوم تعود إليها وكل ما حولها يشي أنها أصبحت إقامة دائمة.
العدد 1186 –23-4-2024