الملحق الثقافي – رفاه الدروبي:
ولد عبد الكريم إبراهيم الناعم في قرية حربنفسه بمحافظة حماة سنة 1935م، تعلَّم في الكتّاب مبادئ التعليم الأولى «القراءة والكتابة»، ثم سكن أهله مدينة حمص في عام 1949، أرسل في الثانية عشرة من عمره إلى المدرسة، وحصل على الشهادة الإعدادية، ثم الثانوية وأهلية التعليم.. عمل مدرِّساً وتدرَّج في عدة وظائف، كما اشتغل في الصحافة والإذاعة.. كان عضواً في جمعية الشعر ضمن اتحاد الكتَّاب العرب، وشغل منصب أمين سر في فرع اتحاد الكتَّاب العرب في حمص لعدة سنوات.. شارك الناعم في العديد من المهرجانات الأدبية والثقافية داخل وخارج سورية، وكرَّمه فرع اتحاد الكتَّاب العرب في حمص عام 2017.
لكن ما سمات شعره ونثره؟
قامة أدبية
رئيس فرع حمص لاتحاد الكتَّاب العرب أميمة إبراهيم أوضحت بأنَّ الأديب عبد الكريم الناعم قامة أدبية إبداعية سامقة، من جيل الرواد ومن أهمِّ شعراء الحداثة ليس في سورية فحسب بل في الوطن العربي، واعتبرته علامة فارقة في الثقافة السورية ترك بصمات متفردة في المشهد الأدبي المعاصر فطوبى لحمص تحضن بين جناحيها قامات إبداعية كالشاعر الناعم.
من رواد الحداثة
وأشار الدكتور غسان لافي طعمة إلى أنَّ الأديب الناعم رائد من رواد الحداثة الشعرية في حمص، وسار على الطريق عن وعي فني فكانت بينه وبين رائد الشعر الحديث بدر شاكر السياب مراسلات وتبادل آراء، ويُمثِّل النحل البري ما أعطاه عسلاً مراً في الشعر الحديث، فكان الشاعر الصوت البدوي والقروي في آن معاً، ويشهد له في مناخات المدينة أنَّ تأثيره كان كبيراً على شعراء مَنْ تبعوه وخاصة في حمص فترعرعت في أجوائه الأدبية أسماء شعرية كان لها شأن كبير فيما بعد، لافتاً إلى أنَّه مرهف في عباراته، صادق في آهاته ولديه رؤية بانورامية موسوعية، وبدون شك مثقف عربي كبير لأنَّه كتب في الأدب والفكر والسياسة.
كما لفت الدكتور طعمة إلى أنَّه قرأ دواوينه الشعرية منذ ديوانه الأول «الصوت البدوي» وخطَّت يمينه دراسة نقدية عن قصيدته «الاغتيال» في ثمانينات القرن الماضي فكتب نقداً عنوانه «الاغتيال بين قصيدتين» كانت مقارنة بين قصيدتي الأديبين: فايز خضور وعبد الكريم الناعم منوِّهاً إلى أنَّ الناعم كتب في موضوعات مختلفة وسجّل له أنَّه كان حاضراً حضوراً دائماً في كلِّ المهرجانات الشعرية والأدبية المنظمة في حمص وسورية.
ألفاظه مبتكرة
بدوره الأديب عبد الغني ملوك بيَّن أنَّ عبد الكريم شاعر نهج مذهب شعر التفعيلة، وله ٣٣ ديواناً شعرياً، ورواية تحتضن ثلاثة أجزاء عنوانها «مدارات» يحكي فيها عن قريته حربنفسه ثم ينتقل إلى مدينة حمص فالرقة، عندما كان يُعلِّم في مدارسها، مشيراً إلى أنَّ شعره يتسم بالغموض، والكشف القريب من التصوف، وفي قسمه الثاني رمزي، لكنَّ ليس مغلقاً، حيث يستطيع أن يفهمه المثقف والإنسان العادي بأبعاد مختلفة والشعر المرمَّز يفهمه كلٌّ بطريقته الخاصة لكنَّه شعر عميق ذو ألفاظ مبتكرة وصوره جديدة لم يتطرَّق إليها أحد قبله، إضافة إلى أنَّ رواياته يعتريها شيء من الغموض.
ثم أوضح الأديب ملّوك بأنَّ رواياته تشبه السيرة الذاتية، وهناك فرق بينها وبين الرواية، لأنَّها تضمُّ أكثر من شخص بينما السيرة الذاتية يكون الحديث عن نفسه وعن أشخاص عاصرهم في قريته حربنفسه وعندما نزح منها إلى حمص وعمل مدرساً، ثقَّف نفسه بنفسه وتضمَّن كتاب إبراهيم العلي «حياتي والإعدام» فصلاً كاملاً عنه.
كما عرَّج للحديث عن كتابه مدارات بأجزائه الثلاثة في كلِّ جزء منها دوَّن كلّ مرحلة من مراحل حياته فكانت كتاباته بطريقة السهل الممتنع بأسلوب شعري وأدبي رشيق وسلس يفهمه الجميع، وفي «مداراته» يحكي عن نفسه وانطباعاته، كما يتناول العادات والتقاليد الجميلة لدى البدو استقاها من خلال عمله كمدرِّس في مدينة الرقة واختلاطه بالمجتمع البدوي حيث نقلها على الورق فكانت كتاباته توثيقاً لمراحل زمنية وأمكنة تناولها بأسلوب رمزي في الشعر والرواية، وحاكى أسلوبه بدر شاكر السياب ونازك الملائكة، لكنَّه ذو صفة متفرِّدة ونكهة خاصة، ولم يأخذ شخصية السياب كصورة طبق الأصل وإنَّما اتبع أسلوب التفعيلة نفسه والرمز وكان اتجاهه مع قاع المدينه من الفئات الفقيرة.
الإبداعية في رؤى النقد
من جهته الدكتور وليد العرفي أشار إلى أنَّ الناعم يُعتبر من شعراء جيل الحداثة الشعرية القائمة على أساس فهم جديد للشعر، وطبيعة القصيدة من حيث بنائها الشكلي والموضوعاتي على حدٍّ سواء، وقارىء الشاعر عبد الكريم عبر مسيرته الإبداعية كونها تربو عن نصف قرن يكتشف أنَّ مساق تجربته الشعرية مرَّت بمراحل مختلفة من حيث نمائها التعبيري، إذ ثمة محطات لافتة في تلك التجربة لايُمكن بحال من الأحوال اختزال الحديث عنها في عدد من الكلمات المحدودة المساحة، وفي السياق ذاته يُمكن الإشارة إلى أنَّ تجربته لها خصوصيتها لأنَّها جعلت من شعره قيمة إبداعية فرضت مكانتها على امتداد الجغرافيا السورية، بما حققته من امتداد تأثير في أجيال شعرية لاحقة استمدَّت نسغ تشكُّلها، وهيئة تخلُّقها من خلال تجربة الناعم الشعرية وبرهنت على قدرة الشاعر في امتلاك أدواته الفنية، وتقنيات لغة تبدَّتْ في كلِّ ما أصدره من دواوين شعرية زادت على الثلاثين مجموعة.
العدد 1188 –7-5-2024