الملحق الثقافي- عبدالكريم العفيدلي:
لأن الكلمة والرصاصة تخرج من فوهة واحدة، ولأن هذا التعبير هو الأصدق للأدب الملتزم ولأن القصيدة خير من يشحذ همم المقاومين، انبرى الشعراء العرب منذ النكبة وإلى اليوم مشهرين أقلامهم نصرة للقضية العادلة، ولأن الشعر ديوان العرب وخير مدون للتاريخ والأحداث والمآثر ولأن فلسطين مثلما هي قبلة الإنسانية هي قبلة الفكر التي وحدت بالصلاة إليها كل أرباب القلم، وثق الشعراء مأساة هذا الشعب المظلوم على مدى خمسة وسبعين عاماً فمن الجواهري لأبو ريشة لنزار قباني لبدوي الجبل لدرويش لطوقان للقروي للنّواب… لاتزال القصائد التي تربينا عليها في مناهجنا المدرسية تتقد كالمشاعل في ضمير الأمة.
تربينا على نزار حينما يقول:
نحن عكا ونحن كرمل حيفا
وجبال الجليل واللطرون
كل ليمونة ستنجب طفلاً
ومحال أن ينتهي الليمون
وتربينا على درويش حينما يقارن بين روما التي أحرقها نيرون وفلسطين التي تعاني تحت همجية الاحتلال :
يادامي العينين إن الليل زائل
لاغرفة التوقيف باقية ولازرد السلاسل
نيرون مات ولم تمت روما بعينيها تقاتل
وحبوب سنبلة تجف ..
ستملأ الوادي سنابل
وتربينا على الشاعر القروي الذي يتكلم بضمير كل عربي وحر بالتزامه بقضية فلسطين، وإن هذا الالتزام ماهو إلا عهد رضعناه في المهد:
يا فلسطين التي كدنا لما
كابدته من أسىً ننسى أسانا
نحن يا أختُ على العهد الذي
قد رضعناه من المهد كِلانا
يثربٌ والقدسُ منذُ احتلما
كعبتانا وهوى العرب هوانا
شرفٌ للموت أن نطعمه
أنفساً جبارة تأبى الهوانا
ولأن الشاعر ضمير الأمة كان الشعراء العرب في ساحات الجهاد يقاتلون بالكلمة ويذكون الحماسة في الأنفس الطاهرة التي حملت البندقية بوجه هذا العدو، يشيدون بهذا الجهاد الجماعي والفردي ويخلدون المآثر والانتصارات وكأن ابراهيم طوقان بيننا اليوم عندما كتب قصيدته المشهورة:»صامتٌ لو تكلما.. لفظ النار والدما
قل لمن عاب صمته… خلق الحزم أبكما
وأخو الحزم لم تزل.. يدهُ تسبقُ الفما»
تخليداً لفعل الفدائيّ محمد عبد الغني أبو طبيخ، الذي حمل «روحه فوق راحته» بينما كان يبلغ من العمر حوالي 15 عاماً، وقام بمحاولة اغتيال رئيس النيابات العامة البريطاني، الصهيوني «نورمان بنتويش»، رداً على قوانين تعسّفية أصدرها بحق الفلسطينيين خلال ثورة البراق.
إن الطوفان التحرري الذي بدأ في السابع من تشرين أعاد البوصلة لمكانها الطبيعي بعد أن حاول البعض التشويش وتحبيط الهمم، وقف الشعر سافر الوجه بعد أن بقي خلف الكواليس لفترة من الزمن وبدأ يرفع الصوت عاليًا يعري تخاذل البعض في نصرة القضية، لقد عاد الشعر بعد الطوفان لدوره التاريخي في إيقاظ الشعور القومي بعد السبات الذي حل به يحرّض على الصمود في وجه المشروع الصهيوني مبشرًا بسقوطه بعد أن تبين وهنه وضعفه، وعلى كل الشعراء اليوم الالتزام بدعم المقاومة وتغليب المصلحة العامة للأمة على المصالح الفردية الضيقة، على الشاعر أن يستعيد المنبر ويأخذ دوره التنويري في طريق الحرية والاستقلال.
لقد استطاعت فلسطين أن توحد الإنسانية برغم اختلاف الإيديولوجيات والمعتقدات فكتب لها شعراء الأمتين العربية والإسلامية ولأن الشعر وثيقة دامغة ضد تزييف الحقائق وسلاح فتاك بيد المقاومين كي لا يغيّب العقل ولأنه الأقرب لعقول الناس وضمائرهم استفاض الشعراء، فجرت أودية شعورهم الصادقة ساعية لتحرير فلسطين بالكلمة التي لاتقل أهمية عن الرصاصة في ميادين الجهاد والنضال، لقد وصلت هذه القصائد إلى كل أنحاء العالم وترددت بالآفاق تعرّف العالم بنكبة هذا الشعب المظلوم وفظاعة مايتعرض له، لقد اتخذوا من الحرف إزميلاً يحفرون به ذاكرة التاريخ كي لا تُمحى فلسطين.
العدد 1189 –14-5-2024