أجيال تتوالى.. وكل منها يتسم بصفات تميزه عمن سواه بعد أن عبر من ضفة إلى أخرى في مسار الزمن.. فمنهم من شهد حروباً عالمية، وأخرى أهلية.. ومنهم من شهد ثورات زراعية، وصناعية، حتى وصل بنا المطاف إلى الثورة التقنية المعرفية، والرقمية.. ووصل معها جيل جديد بات يعرف باسم جيل (زد).. فمن هو؟ وماذا يفعل؟
جيل (زد)، أو ما يُعرف أيضاً بجيل الألفية.. هذا الجديد الذي ينتمي إلى فترة ما بعد الألفية الثانية، وقد نشأ، وتربى في ظل التطورات التكنولوجية، والتغيرات الاجتماعية الهائلة التي شهدها العالم خلال العقود القليلة الماضية، وعلى الرغم من أنه ليس جيلاً واحداً فقط، إلا أن من ينتمون إلى هذه الفترة الزمنية يشتركون في مسمى واحد، وفي بعض الخصائص، والقيم التي تميّز عن أجيال سابقة بعد أن عاشت هذه الأجيال الصغيرة في عصرٍ محاطٍ بالتكنولوجيا، حيث تكاد تكون الهواتف الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من حياتها اليومية، إن سهولة الوصول إلى المعلومات، والتواصل الفوري مع الآخرين قد صنعا ثقافة جديدة، وأسلوباً مختلفاً في التفاعل فيما بينهم. كما أن هؤلاء قد نشأوا في عصر العولمة، ويتم تواصل الشعوب، وتبادل الأفكار، والثقافات بسهولة، وبسرعة فائقة.
إلا أن من أهم مميزات أولئك الذين ينتمون إلى جيل (زد)، وهو يمثل قوة محركة للمستقبل، أن جزءاً من هويته هو الوعي البيئي بمشكلات التغيّر المناخي، والاهتمام بقضايا حقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، والقضايا العالمية التي ترسم خارطة العالم الجديدة.. هذه المميزات جعلت من الشبكات الاجتماعية أكثر اتساعاً، وقدرة على التواصل العالمي، والتنوع الثقافي، وأكثر اعتماداً على المحتوى المرئي من صور، وأفلام قصيرة، وهذا ما أدى بدوره إلى انتفاضة الجامعات الغربية في اعتراض على ما يجري في غزة من جرائم ضد الإنسانية استطاعت وسائل التواصل عبر شبكة المعلومات أن توصلها إلى كل أحد.
فعندما نتحدث عن جيل (زد) إنما نستعرض جيلاً شاباً يتصل بشكل كبير بتكنولوجيا المعلومات، ويتمتع بقدرات تواصل متقدمة، ووعي اجتماعي قوي ليتبادل أبناؤه بالتالي تلك الرسائل فيما بينهم، ولذلك فهو يقدم مساهمة مهمة في تشكيل الرأي العام، والتأثير في اتخاذ قرارات من خلال ما يقوم به من اعتراضٍ، أو قبولٍ لأمر ما، كما التعبير عن الآراء، والمشاعر بشكل مبتكر، وإبداعي.
وها نحن الآن في مواجهة قضية أصبحت تشغل بال العالم، وتهز ضمائر الأفراد أينما وجدوا ليبادر جيل (زد) في التعبير عن رفضه لما يجري بحق الفلسطينيين فإذا به ينصب خيام الاعتراض، والاحتجاج في حرم الجامعات، وبعض هذه الخيام يُمهر باسم إحدى مدن قطاع غزة، وكأن المعتصمين المحتجين يحاولون أن يعيشوا تجربة مصغرة لما يعيشه أهالي القطاع بما يعكس حجم الألم، والمعاناة التي يواجهها السكان هناك بينما النهي، والزجر عما يفعلون ينال منهم في التهديد، والوعيد، أو العقاب. إنهم يستغلون قوتهم الجماعية، وأصواتهم العالية للتأثير على القرارات السياسية، والتوجهات العالمية المتعلقة بالقضية. ليس هذا فحسب بل أيضاً هم يقومون بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية، والهيئات الإنسانية المعنية بحقوق الإنسان، والمساعدة الإنسانية في سعيٍ لجمع التبرعات، والمساهمات المالية لدعم المتضررين، والمنكوبين، وتحقيق تأثير إيجابي أكبر يسهم في تخفيف المعاناة عنهم، وتعزيز الوعي بما آلوا إليه، والتعاطف معهم.
إن إحداث تغيير حقيقي في بعض السياسات، وبناء مجتمعات أكثر عدالة، وسلاماً يتطلب أجيالاً كجيل (زد) تقف بقوة في وجه الظلم، والجور، وتعبّر بشجاعة عن القيم الإنسانية التي تسير نحو بناء مستقبل أفضل، وأكثر إنصافاً للجميع، وتتمتع بالمرونة، والشجاعة في مواجهة التحديات لتحويلها إلى فرصٍ للتغيير.