الثورة – ميساء العجي:
تتنوع الآراء وتتعدد حول تربية الأبناء ومدى أهميتها وصعوباتها، فهناك من يمدح، وآخر يذم، والبعض يشتكي ولم يعد يستطيع التواصل مع أبنائه ولكننا إذا التفتنا إلى الواقع وما يدور حولنا هل حقاً هؤلاء الأطفال هم السبب بذلك أم أن للآباء دوراً كبيراً في ذلك.
مسؤولية
الباحثة النفسية هيفاء الدوماني تقول لـ “الثورة” في هذا الجانب: تتحدد مسؤولية الآباء والأمهات بمحاولة فرض السيطرة على الأبناء ولا نجدها سيطرة بمعناها المباشر المتسلط بل بالرغبة في تحديد سلوكهم والحفاظ على سلامتهم الجسدية والنفسية ومساعدتهم على الاندماج في المجتمع والتكيف وقوانين الحياة ومساراتها اليومية.. ونجد في الوقت نفسه أن أساليب التربية والتوجيه التي يتبناها بعض الآباء تكون لها صيغة الأمر وعلى أبنائهم الطاعة فقط، كأن يقولون: “ادرس، اكتب، لا تلعب لا تضرب احد، وهذه كلها يعتبرها الأبناء أوامر ولا يحبون تنفيذها”.
وتبين أنه وجدت منذ فترات طويلة العديد من الأبحاث النفسية والاجتماعية التي يحاول فيها الآباء فرض سيطرتهم على أبنائهم والتحكم بهم، ونجد لكل منهم طريقته الخاصة التي يتبناها سواء كانت تربوية أم غير ذلك أو كانت مقنعة بالنسبة للمجتمع أم لا.
أنماط ضبط السلوك
وتختلف- حسب رأي الباحثة النفسية- أهدافها بين محاولة تلبية احتياجات الطفل ودعم تطوره المعرفي إلى محاولة التحكم في سلوكه، فقط لتلبية احتياجات وتوقعات الآخرين، منوهة بأنه يوجد في الحياة أربعة أنماط من الآباء فيما يتعلق بضبط سلوك الطفل.
أولها الآباء الاستبداديون الذين يتمتعون بمستوى عال من التحكم بأبنائهم، ويعاقبون السلوك السيئ لا يقدمون الدعم العاطفي لهم، ومحور اهتمامهم يصب على وجوب طاعة أبنائهم لهم في الوقت الذي لا يأخذون مشاعر أبنائهم بعين الاعتبار ولا يسمحون لهم بالانخراط في تجارب لاجتياز العقبات مهما كان مستوى خطورتها وهم يعتقدون بأن الأبناء يجب عليهم اتباع القواعد دون استثناء.
النوع الثاني وهم الآباء المتسامحون الذين يظهرون دفئاً عالياً في مشاعرهم تجاه الأبناء، ومع ذلك لا تتوفر عندهم القدرة على ضبط السلوك لدى أبنائهم فيتركون على راحتهم وهم يشبوا من بعيد.
أما النوع الثالث من الآباء فهم الآباء الموثوقون الذين يخلقون توازناً مقبولاً بين استخدام سلطتهم الأبوية وبين منحهم الدفء والمساندة العاطفية لأبنائهم.
أما النمط الأخير فهم الآباء غير المشاركين الذين لا يتمتعون بقدر كاف من السيطرة والتحكم بسلوك أبنائهم في سلوك أبنائهم، إضافة إلى عدم قدرتهم على إظهار الدعم العاطفي لهم متى كانوا بحاجه إلى ذلك.
تحقيق التوازن
وتوضح الباحثة الدوماني أنه خلال العقود السابقة فإن الكثير من الأبحاث تبين أن الأطفال الذين يصفون والديهم بالحزم والتحكم، إضافة لإحاطتهم بمشاعر الحب وتوفير الأمان لهم، هؤلاء الأطفال هم الذين يحققون نتائج دراسية أفضل ويكونون أقل عرضة للمشكلات ويتمتعون بالاتزان النفسي الجيد وعلاقاتهم مع أصدقائهم تكاد تكون أكثر نجاحاً وحياتهم أكثر سعادة.
في حين الأطفال الذين يكون آباؤهم مستبدين ومتحكمين فإنهم يحصلون على تجارب حياتية أفضل في العموم من اقرأنهم الذين ينتمون إلى آباء غير مبالين ومتساهلين للغاية، ولا يستخدمون الحزم في السيطرة على سلوك أبنائهم، وهذا ما يتضح بصوره جلية في الإنجاز الأكاديمي لأبنائهم حيث يكونون من المتميزين والمبدعين في دراستهم.
وتقول الدوماني: إن استخدام الاستبداد كطريقة متبعة في التربية قد ينتج أطفالاً يمتهنون الكذب ويلجؤون إلى إخفاء الحقيقة خوفاً من العقاب، ويكونون عرضة لمشكلات تتعلق باحترام الذات وربما تدني الثقة بالنفس والعدوانية الموجهة للمجتمع، وبجانب آخر فإن الأطفال الذين يكونون تحت وصاية آباء متساهلين فهم يعانون من بعض المشكلات الصغيرة مثل التسكع والتسيب وقد يخفقون في دراستهم لكنهم لا يميلون إلى ارتكاب مخالفات سلوكية، مثل الانخراط في تعاطي المخدرات.
والمثير الاهتمام من الآباء الذين ينجحون في تحقيق التوازن بين تعديل سلوك الأبناء بما يتوافق ومصلحة الطفل، إضافة إلى تلبية توقعات الآخرين في محيطهم الاجتماعي يقدمون خدمة مضاعفة لمجتمعهم وأبنائهم على حد سواء، فهم يبذلون جهداً كبيراً للحفاظ على علاقة إيجابية مع الطفل ويجعلون من رأيه ذي أهمية.
استراتيجيات إيجابية
وتشير الباحثة الدوماني أن الآباء في اغلب هذه الأنماط لا يكونون على قدم المساواة في التعبير عن وجهات نظرهم، فيما يتعلق بطريقة التربية المتبعة، فإن المتسلطين منهم على سبيل المثال غير استبداديين يمكن أن يحققوا أعلى مستويات التحكم، فيما يميل الموثوقون منهم لأن يكونوا أكثر اعتدالاً في وضع القواعد والحرص على تطبيقها ونجدهم يستخدمون استراتيجيات إيجابية لتعزيز سلوك أبنائهم كالثواب والمكافآت بدلاً من العقاب، إضافة لذلك نجدهم قد يهددون أكثر مما يفرضون ويطلبون الطاعة المطلقة. أما الأطفال الذين ينشؤون لآباء موثوقين في الأغلب سيصبحون بالغين يتصرفون بمسؤولية ويشعرون بثقة أكبر للتعبير عن أرائهم، وأكثر حكمة في اتخاذ القرارات، بينما نجد النموذج الثالث وهم الآباء المتساهلين يقدمون- حسب رأي الدوماني- دفئاً عاطفياً ودعماً معنوياً لأبنائهم وهم لا يميلون إلى فعل هذا باستمرار، وبدلاً عن ذلك يضعون إرشادات أكثر مرونة ثم يصابون بالإحباط والغضب عندما لا يتبع أطفالهم هذه الإرشادات، ونجدهم لا يتدخلون إلا إذا كانت هناك مشكلة خطيرة فعلا، وبالتالي غالباً ما يكونون مستمعين جيدين لأبنائهم لكنهم يفشلون في تثبيط السلوك السيئ ومعالجة الأخطاء حتى تتراكم إلى أن يفقدوا السيطرة تماماً.