الثورة – ديب علي حسن:
الزميل الراحل هاني الخير في حياته الثقافية والمهنية العديد من الأعمال التوثيقية الجميلة التي تظهر جماليات وظرف الواقع الاجتماعي في بلاد الشام ولاسيما دمشق, فكان أن نشر كتاب ظرفاء من دمشق وغيره من المؤلفات الأخرى التي تجد فيها المتعة والفائدة، وعقد المزاوجة بين التراث والمعاصرة أيضاً من خلال صفحة كان يعدها في صحيفة الثورة، وفي جعبة إنجازاته العديد مما يصعب حصره.
وعلى ما يبدو أنه كان يعمل على مشروع لطيف وجميل يستكمل فيه ما بدأه من توثيق لصفحات من حياة دمشق الاجتماعية والظريفة، الجديد في هذا أن نجله المحامي الأستاذ أحمد رامي الخير قام بنشر كتابه الجديد الذي حمل عنوان “حكايات منسية في الديار الشامية”، وقد صدر عن دار نينوى في دمشق.
الكتاب رحلة توثيقية لطيفة وظريفة استدعت العودة إلى الكثير من الكتب والمطبوعات النادرة التي قد لا تجدها إلا في المكتبات الخاصة، هذه الباقة من المختارات اللطيفة مهمة للغاية في هذا الواقع الاجتماعي الذي نحتاج فيه إلى البسمة والطرفة.
يقول الراحل هاني الخير في مقدمة كتابه: (يراد من هذا الكتاب إسعادك وإمتاعك وإثراء معلوماتك، وإن حصل هذا فيكفيني وحده ويشفع لي مغامرتي المدروسة في إصدار الكتاب، فهذا الكتاب الذي بين يديك ليس تاريخاً رسمياً أو حرفياً، وفي الوقت نفسه لا يراعي التسلسل التاريخي الأكاديمي المتعارف عليه بين المؤرخين، ولا أنصح أن يقرأ على أنه تأريخ ما أهمله التاريخ، إذ إن ما ورد فيه من معلومات شائقة وحكايات ضاحكة وشذرات رشيقة، إنما هي مستخلصة ومستلة من كتب كثيرة متنوعة الاهتمامات والألوان قديمة وحديثة، ومن صحف ومجلات دمشقية محتجبة وهذه المصادر مثبتة في صفحات الكتاب حرصاً مني على التوثيق الأمين والأمانة العلمية.
جمعت بين دفتي هذا الكتاب الأخبار الطريفة والنوادر والمفارقات التي يصعب الحصول عليها مجتمعة في كتاب واحد حسب التبويب، لأقدمها للقارئ لوناً أدبياً قد يكون جديداً بموضوعه في المكتبة العربية.
وضمن هذا السياق أذكر أن موضوعات الكتاب جاءت لتغطي أوسع مساحة زمنية من أجل الإحاطة- قدر الإمكان- بكل معطيات الحياة الدمشقية الجميلة والمدهشة معاً.)
ومن أجواء الكتاب نقتطف هذه المفارقات الجميلة..
أنا الشعب
كانت الجماهير محتشدة على جانب الطريق تشاهد مرور أحد المواكب.. وكان في مقدمة أعضاء البرلمان، وحاول أحد الواقفين من عامة الشعب أن يتقدم ليرى الموكب فدفع ذلك المواطن النائب الوجيه وغضب النائب وصاح به: كيف هيك عم تدفش؟؟ مانك عارف مين أنا؟؟
لا يا سيدي أنت مين؟؟
وهنا رفع رأسه حضرة الأفندي لفوق وقال له: أنا نائب الشعب.
فنظر إليه الرجل ملياً ثم دفعه ووقف أمامه وهو يقول: أنت نائب الشعب، ولكن أنا الشعب.
الشخصية الدمشقية
ويقدم الخير شهادة المؤرخ جرجي زيدان حول الشخصية، يقول المؤرخ الأديب جرجي زيدان في شهادة له عن دمشق وأهلها: (الدمشقيون أهل لطف وظرف ودماثة وضيافة، يشعر الغريب فيها أنه بين أهله وأصدقائه، هم يشبهون أهل القاهرة من حيث رقة الجانب وسهولة الخلق مع ميل إلى الرخاء ورغد العيش، يساعدهم على ذلك رخص الأسعار وكثرة الطيبات من الفاكهة واللحوم والخضر وسعة البساتين وقناعة الطبع).
يقع الكتاب في 92 صفحة من القطع المتوسط.