الثورة – راما نسريني:
خلال السنوات الأخيرة من حكم النظام المخلوع، عمد إلى تهميش محافظة حلب على جميع الصعد، وكان للجانب الثقافي نصيب لا بأس به من الإهمال، لاسيما في ما يتعلق بوجه المدينة الحضاري وثقافتها وتاريخها الضارب في جذور الزمن.
ورغم أن العديد من المراكز الثقافية والمسارح ودور السينما قد تعرضت لدمار كبير نتيجة القصف الوحشي الذي طال المدينة، إلا أنها ما زالت تشكل واجهة لأصالة حلب على مر العصور.
توسيع المساحة الثقافية اليوم، في حلب، لا خيار أمام القارئ سوى دار الكتب الوطنية التي بلغت سن الثمانين، وقد قدمت العديد من الفعاليات الثقافية، وكان مسرحها شاهداً على حضور كبار الكتاب والشعراء، في مقدمتهم: طه حسين، أحمد أمين وعباس محمود العقاد.
كما أن دار رجب باشا التي تم ترميمها وإعادة افتتاحها مجدداً تشهد فعاليات ثقافية وموسيقية متنوعة، ومع ذلك، لا بد من توسيع المساحة الثقافية في المدينة، ويجب توفير مزيد من المراكز الثقافية، المسارح، المكتبات العامة، والمراكز الثقافية التي تليق بتاريخ المدينة العريق.
نادي اللامكان: مبادرة شبابية لإحياء الثقافة
في محاولة لسد تلك الثغرات، انطلقت العديد من المبادرات الشعبية الشبابية، وكان أبرزها في الفترة الأخيرة نادي اللامكان، التابع لدار ورشة للإنتاج الثقافي، الذي يساهم في دعم الناشطين في المجال الثقافي.

هدف النادي ورؤيته
في حديثها مع صحيفة الثورة، أوضحت منسقة الأنشطة في نادي اللامكان، دعاء أبو رشيد، أن النادي عبارة عن مساحة ثقافية جمعت حوالي عشرة شباب من حلب من خلفيات ثقافية متنوعة وأعمار مختلفة، بهدف تبادل الأفكار والآراء.
نادي اللامكان أسسه صانع الأفلام الوثائقية أنطوان مقديس عام 2019، ولكن الانطلاقة الأكبر على مستوى الفعاليات والأنشطة كانت في أواخر عام 2024.
وأضافت أبو رشيد أن أحد أبرز أهداف النادي هو توفير تغذية فكرية، ثقافية، وبصرية للشباب من خلال ثلاث فعاليات دورية تتمثل في: السينما، الجولات الاستكشافية، ومساحة موسيقا اللامكان.
وأضافت: “في كل شهر، يتم اختيار فكرة معينة لتسليط الضوء عليها، واختيار أفلام مناسبة للموضوع في مقاهي مختلفة في كل مرة”، مؤكدةً أن هذه هي فكرة النادي الأساسية “اللا مكان”، والتي تهدف إلى تسليط الضوء على المقاهي والأماكن الثقافية في المدينة.
مواقع ثقافية في حلب
أما فيما يخص جولات الاستكشاف، أوضحت أبو رشيد أن النادي ينظم رحلات لاختبار تجارب ثقافية حقيقية على أرض الواقع، كان آخرها جولة على الزوايا الصوفية الموجودة في حلب، مثل الزاوية الإسماعيلية والزاوية الهلالية.
وأشارت إلى أن الهدف الأساسي من هذه الجولات هو انخراط الحواس الخمس بشكل كامل في التجربة حتى أدق تفاصيلها.
موسيقا اللامكان: مساحة للإبداع
وعن مساحة موسيقا اللامكان، عبرت أبو رشيد عن اهتمام النادي الكبير بالموسيقا من خلال جمع الهواة العازفين على آلات مختلفة مرة شهرياً في مساحة عزف حرة، يشارك فيها الحضور في بعض الأحيان، أو عبر مشاركة بعض الفرق الشعبية من خلفيات ثقافية متنوعة.
وختمت حديثها بالتأكيد على أن المدينة بحاجة ماسة لمثل هذه المبادرات والفعاليات، مشيرةً إلى أن هناك طاقات شبابية هائلة في حلب، تحتاج إلى توجيه سليم ومساحات ثقافية واسعة.
خطط وتطلعات

بدوره، أكد مدير مديرية الثقافة في حلب، أحمد العبسي، في حديثه لصحيفة الثورة، أن المديرية تسعى جاهدةً لتفعيل المساحات الثقافية ودعم الفرق الشبابية بكل الإمكانات المتاحة، مشيراً إلى أن المديرية أعادت تفعيل بعض المراكز الثقافية في المدينة، وجزء من المراكز الموجودة في الريف.
تفعيل المراكز الثقافية
وأضاف: “أعدنا تفعيل دار رجب باشا التي تعرضت لتدمير شبه كامل نتيجة القصف الذي تعرضت له المدينة”.
وأكّد العبسي أن البنية التحتية تأتي وفقاً للاحتياج والتفاعل مع الثقافة، وهو ما تسعى المديرية إلى تغذيته في مدينة حلب، مشيراً إلى أن المدينة الغنية بتراثها وحضارتها بحاجة إلى اهتمام أكبر في المجال الثقافي.
مشاريع قادمة: دار أوبرا ومكتبة وطنية
وأوضح العبسي أن هناك خططاً قادمة لإنشاء دار أوبرا ومكتبة وطنية كبيرة تليق بمقام مدينة حلب، مؤكداً أن هناك مواقع معينة قيد الدراسة وسيتم طرحها قريباً على الشركات الاستثمارية.