الملحق الثقافي- حسين صقر:
لأن الكتاب ليس وسيلة من وسائل التسلية والترفيه والإمتاع وحسب، وطريقنا للمعرفة والبحث والتقصي ومعرفة المكنون، فقد حظي بأهمية خاصة على مر العصور، وأول ما كتب الإنسان على جلود الحيوانات ليوثق تاريخه وتجاربه وحضارات الفترة التي عاش فيها، إلى أن اتخذ الشكل الذي نعرفه فيه، وغدا كالصديق الذي لا غنى عنه، «وخير جليس في الأنام كتاب».
فالكتاب مصدر رائع من مصادر المعرفة المتنوعة في الشعر والأدب والدين والسياسة والاقتصاد والمال والأعمال والحقوق والإعلام، وبحضرته لا غيبة ولا نميمة، فإن كنت تقرأ قصة أو رواية فأنت تعيش في أحداثها وبكل تفاصيلها، أو قراءة كتاب علمي فهو يأخذك إلى حب العلم والكتب الدينية تُرقق القلب وتزيد الإنسان حماسة لممارسة الطقوس على اختلافها.
إذا لكل كتاب أثر في حياة الإنسان، ولكن مع كل أسف لم يبق للكتاب هذا الدور بعد أن أصبحت صفحاته كاملة على شاشة الهاتف ووسائل التواصل، حيث استُبدل لثمانين بالمئة بتلك التقنية.
لكن أهمية الكتاب وفوائده لم تنته، لأنه غذاء للعقل ويمد القارئ بالتجارب والمعارف والمعلومات التي يمكن أن تفيده في الوقت الحاضر أو في المستقبل، لذا من الضروريّ الحرص على اقتنائه، والتشجيع على الالتصاق به، بعد أن استحوذت مواقع التواصل على حياتنا وجلساتنا، وبالتالي فقد أصبح الكتاب مع كل أسف وعند الأغلبية العظمى في آخر اهتماماتهم، والقصة المأساوية الأكبر عندما بدأ يباع في الطرقات وعلى جدران الحدائق، في الوقت الذي تباع فيه سلع أخرى على واجهات زجاجية، وهذا ليس شعوراً بالهزيمة بقدر ماهو تشخيص لواقع الحال الذي نعيشه، في الوقت الذي يمكن أن يتعلّم الفرد من الكتب التي كتبها أشخاص ناجحون عن تجاربهم الحياتية، حيث مروا بتجارب صعبة وهزائم وعقبات، فهذا بحد ذاته ثروة في العطاء والإنجاز والتحصيل.
صحيح أنه يمكن الحصول على المتعة والسرور في الحياة من طرق عدّة، كمشاهدة الأفلام، أو ممارسة الألعاب المختلفة، ولكن تعدّ قراءة الكتب متعة من نوع آخر، فهي تنقل قارئيها من عالم إلى عالم آخر، ومن عصر إلى عصر مختلف العوالم، وتعرض عليهم الكثير من القصص والمواقف التاريخية التي يمكن الاستشهاد بها في جوانب الحياة، فضلاً عن التزود بالمعلومات في مختلف المجالات التي تتناول مواضيع مختلفة، ولاسيما أنها تحتوي على العديد من المعارف، والرؤى، والدروس الحياتيّة المهمة، ويقال إنّه كلما زادت قراءة الشخص زادت الحصيلة المعرفيّة التي يمتلكها، وتغيّرت مواقفه في الحياة، إلى جانب أفكاره وخيالاته، إذ لا شيء يمكن أن يفيد العقل أكثر من الفائدة المحصّلة عند قراءة الكتب.
فالكتاب صديق حقيقي للإنسان ويقال: إن الكتب هم الأصدقاء الحقيقيون الذين لا يخطئون أبداً، إذ إن الكتب لها تأثير على حياة الشخص، وتمده بالنصيحة.
واليوم كما أسلفت بتنا بحاجة للتعريف من جديد بأهمية الكتاب والورق كذاكرة، غير أن قراءة الكتابة ترسخ المعلومة لدينا أفضل من قراءة المادة إلكترونياً، لاحتواء الهاتف على قصص ونوافذ كثيرة تشتت الانتباه، ولهذا لابد من إعادة الارتباط به بعد أن حصلت الهجرة والفراق. والإنسان حينما يريد أن يدرس ويتعلّم في مجال من مجالات الحياة المتنوّعة والكثيرة فإنّه يستخدم الكتاب ويطّلع على ما فيه من علوم ومعارف، وكذلك العالم والمدرّس يعتمد على الكتاب في تدريس الطّلبة وتعليمهم المناهج المختلفة، فالكتاب هو محور العمليّة التعليميّة والتربويّة وأداتها الرئيسية، ولهذا ارتبط بحياتنا التعليمية منذ المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية واستمر حتى الجامعية والدراسات العليا.
والكتاب أيضاً وسيلة من وسائل العلم والمعرفة والثقافة، وله صدى وانعكاس على تعاملات الفرد داخل الأسرة والمجتمع، فالشخص القارئ يتعامل مع الأفراد بُرقي وأخلاق وذكاء أفضل من الشخص الذي لا يقرأ، وطريقة تعاطيه للأمور والمواقف والتعاملات أياً كان نوعها تختلف من قارئ للكتاب عن شخص لايعرفه.
العدد 1190 –21-5-2024