الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:
مازال للكتاب بريقه وألقه رغم كلَّ ما يعترضه من صعوبات جمَّة لأنّّه المادة الخالدة في مكتباتنا حيث يمكننا الرجوع إلى معلوماته متى شئنا أو أردنا، بينما تبقَّى الكتب الإلكترونية مادة غبارية كما وصفوها يمكن فقد معلوماتها بلمسة مغلوطة من أناملنا ويضيع نسخها أحياناً بين ازدحام المعلومات في الشابكة.
تأثر بالواقع الاقتصادي
الكاتبة إيمان النايف رأت أنَّ الكتاب فقد مكانته وأهميّته بالنسبة للناس كروَّاد ومُقتنين وكقارئين ومُحبِّين له إلى حدٍّ ما، وخاصَّةً وأنَّ الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي مازال يواجه حرباً موجَّهة على الهوية والتربية تركت أثراً على الكتاب وقراءته وطباعته، كما تأثَّرت كلُّ الظروف المحيطة بنا بعد الحرب السورية، فكان العامل الاقتصادي مهمّاً، حيث أصبحت ميزانية الهيئة العامة السورية للكتاب ضعيفة لطباعة الكتاب وتقديمه رغم أنَّ اتحاد الكتَّاب مازال مُتمسِّكاً بكتابه الثقافي وبتقديم أفضل الروايات لما ينتجه المثقفون للناس وأصبح هناك صعوبات لشرائه، ولفتت إلى أنَّ أغلب نسخ كتابها الأخير وزَّعته للقرَّاء والأصدقاء والمتابعين ولم تجنِ منه أيّ فوائد.
الكاتبة النايف أردفت بأنَّها كثيراً ماتلجأ لقراءة الكتب من خلال النسخ الإلكترونية المتوفِّرة على الشابكة بحاجة للمطالعة، مُنوِّهةً إلى توجُّه وزارة التربية لتكون مناهجها إلكترونية أيضاً» ويمكن للطلاب متابعة دروسهم بوساطة أقراص ممغنطة على موقع الوزارة، مُبيِّنةً بأنَّ واقع الكتاب صعبٌ على كلِّ المستويات بسبب ارتفاع الأسعار بالنسبة لدورالنشروكلِّ ما تحتاجه للطباعة من ورق وأحبار ومستلزمات الكتب فأصبحت تعاني من صعوبات تأمين المواد اللوجستية الأساسية لطباعتها.
وتابعت النايف حديثها عن غياب الكتاب المميَّز والجديد والمستفز للتفكيركي نطالعه فلا نجده متوفراً في أماكن البيع، وكلّ شخص لديه اهتمامات وأغلب الكتب المتوفرة في المكتبات لا تُقدِّم مادَّة مهمَّة ولا تلبِّي حاجة القارئ، لافتة إلى ارتفاع أسعارتثقل جيوب من يريد اقتنائها وخصَّت بالذكر فئة الشباب، إضافة إلى غياب معرض الكتاب العام الماضي رغم أنَّ وزارة الثقافة أبلغت دور النشر لكنَّها عزفت عن تنظيمه لعدم توفُّر الإمكانات المادية، ولم تستطع سدَّ التكاليف رغم أنَّ الدعوة كانت محدودة ووجّهت لدور نشر محلية ولم تكن للعربية أو العالمية، مؤكِّدة على غياب دور المكتبات المدرسيَّة رغم وجود كميات من الكتب الثقافية والعلمية ذات مستوى عالٍ لأنَّ أمناء المكتبات حوَّلوا مهمتهم الوظيفية إلى جانب آخر في المؤسسات التربوية لتبقى أبوابها موصدة في وجه الطلبة.
الشاعرة طهران صارم رأت بأنَّ الكتاب وعاء المعرفة فالمعرفة متشعِّبة ولها جوانب كثيرة منها: الأخلاقية المرتكزة على القيم الإنسانية وتعزيز دور التسامح وتقبُّل الآخر والصدق والوفاء، وهناك المعرفة الفلسفية حيث تدعم دورالعقل والتفكير والإبداع وبناء الشخصية الواعية، كما يوجد المعرفة العلمية كونها تساهم في تطورالمجتمعات الحديثة وتتشعَّب إلى جوانب الاقتصاد والصناعة والتجارة إلخ، إضافة إلى المعرفة المنتمية إلى الحسِّ الذوقي والجمالي والبحث عن السعادة، وبالتأكيد ما ذكرناه يُعتبر جزءاً من معرفة الحياة وبناء الفرد والمجتمعات وكلّه يُقدّم من خلال الكتاب؛ فلولاه ما كنَّا اطلعنا على تاريخنا وأحداثه وما استطعنا أن نعرف ما توصَّل له العالم من حضارة واختراعات ولبقيت الشعوب غريبة عن بعضها البعض، لافتةً إلى أنَّ الكتاب قرَّب المسافات وخلق حالة من العصف الفكري الجمعي في العالم ككل ما ساهم في خدمة البشرية جمعاء.
أمَّا عن نوعية الكتب المطلوبة بالنسبة للجيل في بلدنا فإنَّها تتمحور حول مجموعة المعارف البادية من حيث نوعيتها ومدى فائدتها وهدفها تخدم العقل المنفتح والتفكيرالسليم وما يجب علينا الاهتمام به من خلالها لبناء الإنسان وبلدنا.
وأشارت الشاعرة أسمهان الحلواني إلى أنَّنا إذا أردنا الحديث عن واقع الكتاب في سورية الآن، فلا بدَّ أن نستذكر الحضارات المارَّة عليها، و التاركة أثراً في ثقافتها، وبالتالي في نتاجات الكتاب السوري على مرِّ العصور منذ الأبجدية الأولى في التاريخ والأبجدية الفينيقية حيث كانت موسوعة للتاريخ في العالم ونتج عنها موروثاً ثقافياً هائلاً؛ بينما اختلف مع الزمن وضع الكتاب تبعاً للأحداث التاريخية و التطورات والتعالقات الإنسانية وظروفها.
و كان اكتشاف الطباعة سبباً في سيادة وانتشار الكلمة للعامة و للغالبية لتتنوَّع بين الصحف و المجلات والكتب سواء العلمية، الدينية، التاريخية، الأدبية، وحتى المدرسية و غيرها.
كما أوضحت الشاعرة الحلواني بأنَّ العلاقة بين القارئ والكتاب وطيدة محفوفة برائحة الورق و أثرالحبر، فكان خير جليس وكان مصدر الموروث الفكري والغنى الثقافي، وأثَّر في مدى التطور الإنساني؛ لكن واقع الكتاب اليوم بدأ يتغيَّر حيث يطبع سنوياً أكثر من مليون كتاب و لكن مع العزوف من قبل الكثيرين – للأسف- عن القراءة بدأ الكتاب الورقي بالتراجع التدريجي مع تقدُّم عجلة العولمة والمكننة والشابكة ليحلَّ مكانه الكتاب الإلكتروني ما ساهم أيضاً في وضع المحتوى في تناول الغالبية العظمى من مستخدمي التقنيات الذكيَّة، ويمكن نوعاً ما الخوف على مكانة وهيبة الكتاب الورقي رغم أنَّه مازال مفضَّلاً لدى شريحة واسعة من المجتمع، كما انبرت العديد من الهيئات السورية التابعة لوزارة الثقافة بدعم واقع الكتاب من خلال نشرالكتب المؤلفة والمحقّقة والمترجمة في مختلف مجالات المعرفة والثقافة والعلوم، وكذلك الإسهام في تطوير الحركة الفكرية والثقافية ونشاطات القراءة، وأوجدت وزارة الثقافة فعاليَّة شهر الكتاب السوري وتعميمها على المراكز الثقافية كافةً، بالإضافة إلى معرض الكتاب المقام سنوياً ليستقطب دور النشر السورية والخارجية المُكتظَّة بها أجنحته أمام زوَّار المعرض من الشرائح الاجتماعية المختلفة.
ولا بدَّ أخيراً من التنويه إلى دور الرقابة المهم حيث يهتمُّ بالسماح فقط لما يكون منسجماً مع المستوى اللائق ويُعنى بالذائقة و السَّويَّة الفكرية المطلوبتين.
إنَّه ما يمكن كبح جماحه في حالة الكتب الإلكترونية كونها تزخر بها العديد من المواقع وهنا يبرز دورالرقابة الاجتماعية المُمثّلة بالأسرة المجتمعية والمدرسة، وهكذا إلى الدائرة الأكثراتساعاً.
صعوبات تواجهه
بدورها الشاعرة شذا نصَّار بيَّنت أنَّ الكتاب يواجه صعوباتٍ حقيقيةً واكبت التطور التكنولوجي المتسارع لشبكات التواصل الإلكترونية، باعتبارها تُقدِّم الخدمات المعلوماتية الآنيَّة كوجبات الطعام السريعة فتخطف القارئ من كتابه، وتذهب به إلى قطف معلومة من هنا وأخرى من هناك من مخزون لا متناهٍ من المعارف والمعلومات، ومن المؤكَّد أنَّ الثورة المعلوماتية الهائلة ساهمت في نشر المعرفة ووضعتها بين أيدي المتلقي أينما كان في زمن خرافي لا يمكن إنكاره.
كما أكَّدت الأديبة نصَّار على أنَّ الكتاب لم يخسر مكانته الرفيعة في خضمِّ المنافسة غيرالمتكافئة قدَّمها العلم مشكوراً لتشريع أبواب كثيرة لنشر المعلومة وتعزيز المعرفة، وذلك لكونه ينبوع تعتمده الشبكات الإلكترونية لتختزنه وتُرتِّبه وتُقدِّمه للمتلقِّي كمصدر موثوق ودقيق للمعلومة وللحدث، فيجمع عصارات أفكار المفكِّرين، وتنقيب الباحثين، وتدقيق العلماء والنابغين، مُستهلكاً سنواتٍ من عمر مؤلِّفه، لينهله القارئ في أيام أو ساعات وتضمُّه الشبكات الإلكترونية إلى أرشيفها، مُنوِّهةً إلى أنَّه يبقى للكتاب الورقي تبوؤه عرش المعارف بين عشَّاقه ومُريديه، إذ لم تتمكَّن الحداثة من انتزاعه من كَفّين احتضناه بحبٍّ، وعينين التهمتا كلماته بنهم، وقلبٍ نَبضَ على إيقاع ما فيه من حدث، وأصابع قلَّبت صفحاته لتفوح رائحة الورق بمتعة تخلد فيها النفس إلى الهدوء والسكينة؛ في ظلِّ عالم يُحفِّز في القارئ خياله، ويُحرِّض الإبداع في فكره دون حسابٍ للزمن.
ثم تساءلت: أين الكتاب في سورية؟ إنَّه يتعافى معها ومازال في العناية الفائقة رغم رعاية الثقافة له وحرصها على خلق المواسم لتسويقه ونشره ودعمه، وتحتاج مكتباتنا السورية والعربية لسدِّ الثغرات في تدوين وتحليل تاريخنا وتراثنا بأقلام محلِّيَّة قادرة تتوخَّى الـمصداقيَّة وعمق البحث، وكتب تبحث في السياسة المحلية والدولية بمنتهى الدقة والبحث الأكاديمي والموضوعية، كما تحتاج مكتباتنا العربية الفقيرة بالمادة العلمية إلى مزيد من ترجمة العلوم الحديثة كي توفِّرها للقارئ العربي، مقارنة لامنافسة بين القديم والجديد بين الأبحاث المدروسة المُنمّقة في كتاب؛ والمعلومة السريعة المشتِّتَة على صفحات الإنترنت لكن بمنتهى الموضوعية: كلاهما يحتاج الآخر في تكامل علمي واقعي.
بينما بدأت الشاعرة رنا محمود حديثها بأشعار سيِّد البلاغة والبيان أبي الطيب المتنبي حيث أنشد: «وخير جليس في الأنام كتاب» لانستطيع أن ننكر أنَّنا خفنا أن يضعف تأثير الكتاب بسبب الثورة الرقمية! حيث حلَّ الكتاب الإلكتروني بدلاً من الورقي؛ ولكن رغم ذلك نجد أنَّ اليابان بلد التكنولوجيا لم يفقد الكتاب الورقي سطوته ولايزال الناس يقرؤون الكتب؛ ونحن هنا أهملنا الكتاب الورقي بشكل كبير وأغلقت بعض المكتبات أبوابها بشكل مقصود كجزء من حرب على ثقافتنا وهويتنا وتراثنا وتاريخنا، وأصبح العرب بكلِّ ثقافتهم يخضعون للاغتيال الحضاري كأنَّ هناك وسائل إعلام غربية مهمتها حجب المعلومات واستبدالها بالانطباعات، كما نتج عنها ظاهرة عامة حيث نجد صعوبة في التركيز والتشتُّت أثناء، القراءة للنصوص الطويلة لتكون ظاهرة عامة تُهدِّد عقل الإنسان في عصرالتكنولوجيا، مُؤكَّدةً على ضرورة العودة إلى الكتاب الورقي وإبعاد أعيننا عن الشاشات، لاستعادة تركيزنا وإعادة ألق الكتاب بالإصراروالتحدِّي لثقافة التدمير بإقامة المعارض في ظلِّ الغزوالإلكتروني وأيضاً إقامة الندوات الأدبية والعلمية والتاريخية والثقافية عامةً كي يعود للكتاب ألق الماضي، مُلقيةً على عاتقنا مواكبة المستجدات في حياتنا المعاصرة من خلال الكتاب فهو خير جليس وخير صديق، والتواصل الاجتماعي ضروري جداً لفتح النقاش وتشجيع القراءة، لأنَّ بلادنا بلاد المعرفة وإعادة ألقه يعني أن سورية تستطيع النهوض والاستمرار في الحياة، ولأنَّها ولادة بالإبداع والثقافة ويليق بها كونها بلد الأبجدية ووطن الحضارة.
العدد 1190 –21-5-2024