الملحق الثقافي- د . ياسر صيرفي:
لا شكَّ في أنّنا عندما نريدُ أن نبنيَ أُمَمًا خلّاقةً ركيزتُها القوّةُ وسماؤُها الخلقُ النَّبيلُ المُتّزنُ فإنّه لا بدَّ لنا من أن نبنيَ الإنسانَ، ولعلَّ خيرَ ركيزةِ حضاريّةٍ مُهمّةٍ تساعدُ وبقوّةٍ في بَلورةِ الشخصيّةِ الإنسانيّةِ الرّزينةِ هي القراءةُ، وقد عمدَ دينُنا الحنيفُ جاهدًا ومنذُ غرَّةِ الرسالةِ العظيمةِ إلى الحثِّ على العلمِ والقراءةِ التي هي أساسُ العلمِ ورأسُ سهمِه، فأتتِ رسالةُ «اقرأ» لتحثَّ البشريّةَ على المضيِّ في سبيلِ العلمِ والمعرفةِ، فالكتابُ هو المنجاةُ التي تنتشلُ صاحبَها من مهاوي الجهلِ والضعفِ إلى أعلى مراتبِ القوّةِ والحضارةِ والاتّزانِ، فهو الصديقُ الذي تراه حينَ تقصدُه، فلا يملُّك ولا يبخلُ عنك مدةَ طلبِك له، وهو جليسٌ صالحٌ انتفتْ عنه كلُّ معالمِ النّفاقِ والضّعفِ، وما العالمُ الذي نعيشُ فيه إلّا كتابٌ ومَن لا يسافرُ فيه يبقى رهينةَ صفحةِ الحاضرِ المَيْتَةِ، ولا يسمو ويرتقي إلى آفاقِ المستقبلِ وخفاياه، وهو نافذتُنا إلى أجملِ العوالمِ وأكثرِها وضوحاً، والحياةُ بلا كتابٍ بيتٌ بلا نوافذ، وقلبٌ بلا نبضٍ، لكنْ ومعَ هذه الأهميّةِ والقيمةِ العظيمةِ للكتابِ إلّا أنّنا نعيشُ اليومَ معه حالةَ الهجرانِ والنّكرانِ، ولا سيَّما في الإقبالِ الكبيرِ على الشابكةِ بدلَ الكتابِ، فباتَتِ الكتبُ رمزًا أكثرَ منه طريقاً للرّقيّ الحضاريّ والثقافيّ والدنيويّ جميعاً؛ ولعلّ مرجعَ ذلك إلى ارتفاعِ الأسعارِ مضافاً إليه ضعف المحتوى الذي تقدّمه كثيرٌ من الكتب مع غيابِ الرّقيبِ الحقيقيِّ الغيّور الذي يمنع ما نراه اليومَ من سُفهٍ وضعفٍ وترّهاتٍ غزتِ الكتبَ المعاصرةَ -إلّا ما رحمَ ربّي- لذا فعلينا وانطلاقًا من الواجب الدينيّ والوطنيّ أن نعملَ جاهدين على إحياءِ الكتابِ وتوجيهِ الجيلِ الحاضرِ إلى أنواعٍ معيّنةٍ من الكتبِ التي تغني العقولَ، وتبثُّ في النفوسِ الحياةَ من جديد؛ لأنّ «الكتاب روحٌ لا تموت» وإن شابَه شيءٌ من المرضِ فلا بدَّ أن نكونَ نحن أُساتَه الذين يعيدونه إلى ألقِهِ مُعافًى، والعمل وبكلِّ أمانةٍ على تشجيعِ تأليفِ الكتبِ التي تلامسُ الواقعَ وتنقلُه بصدقٍ، وبهذا نكونُ أوفياءَ لماضينا أوفياءَ لحاضرِنا ومستقبلِنا.
العدد 1191 – 28 -5-2024