الروائية زينب عز الدين الخير… وحديث الإنسان والإبداع

الملحق الثقافي- حوار: خالدعارف حاج عثمان:
تنتمي إلى بيت علم وثقافة … حاضنته أدب : شعرا قصة..رواية نقداً …ودراسات في الحياة والإبداع والوطن…والإنسانية..
هي ابنة محافظة اللاذقية…والمدينة الطيبة الصغيرة جبلة..مهندسة…في اختصاصها المعماري الهندسي…أبدعت في بناء هيكلية المسرود القصصي والروائي والإعلامي في الصحف السورية ..الوحدة وتشرين…
من أعمالها السردية المنجزة:
بيت الأمتار الستين/
أبناء السبيل/ من خبايا الذاكرة/ أغداً القاك. / العزيزة/ ….
إنها الإنسانة الأديبة القاصة والروائية المبدعة أ.زينب عز الدين الخير..
السؤال الأول : كيف تقدم الأديبة زينب عز الدين الخيّر نفسها؟
أقدم نفسي مثلما يقدم اي أديب موضوعي نفسه للجمهور… من خلال كتاباته، أنا لا أملك القدرة – النفسية على الأقل- لكي أدخل في متاهة الحديث عن نفسي أو عن خططي وعما أنجزته.
فأنا لا أجيد مهارات الإعلان والإبهار وإن لزم الأمر أعرف أن أتحدث ببساطة وحسب … نعم أتمنى أن يعرفني القراء على نطاق أوسع لكنني مقابل ذلك غير قادرة على تخيل سبيلٍ يوصلني إلى ما أتمناه سوى ما أكتبه.
وإذا أردت الآن أن أعرف نفسي أمام قراء الملحق الثقافي أقول :
أنا المهندسة زينب عز الدين الخيّر ، والدي شاعر ، و جدي شاعر، وجد والدي شاعر … فلا حيلة لي بالميل الأدبي، وجدت نفسي منذ الصغر محكومة به عن طريق الجينات، و عن طريق الاكتساب إذ لا يمكن للاكتساب وحده أن يصنع أديباً …مثلما لا تكفي الموهبة الموروثة وحدها ليكون صاحبها أديباً.
دائماً كانت بداياتي خجولة، مترددة، فكلّ من في البيت مهتم بالأدب، وأنا الأصغر بينهم وعندما نشرت مقالتي الأولى في جريدة الوحدة اللاذقانية ، شعرتُ بأنني بدأتُ المواجهة التي طالما تجنبتها وهي المواجهة مع القارئ… وهكذا كتبتُ في الصحافة السورية لمدة /١٥/ عاماً
بدأتُ بالمواضيع الخدمية المرتبطة باختصاصي كمهندسة ثمّ وجدتني أكتب في كلّ شيء تقريباً… إذ وجدتُ أن أذرع الهندسة تمتد وتمتد حتى تحتضن كلّ منجزٍ حضاري…
ثم قدّمت للقراء مجموعات قصصية» هي من خبايا الذاكرة» ، «أغداً ألقاك» ، :أبناء السبيل» ، وبعدها تحولت كلياً للرواية…
السؤال الثاني : معروف أن الإنسان ابن بيئته …وأنا نشأت في بيت شاعر، أختي الكبرى هي الشاعرة مناة الخيّر، أُخوتي جميعاً كما أسلفت قراء بامتياز وطالما كان في بيتنا مكتبة، وكتب، وجرائد، ومجلات، ونشرات دورية وذلك على حساب أي شيء ٱخر قد تعمر به البيوت…
كان الواحد من أصدقائنا حين يقرأ كتاباً ، لا بُدَّ أن يأتي لزيارة بيتنا ليجد من يناقش هذا الكتاب معه ، أو يجادل في محتواه و فيما أعجبه وما لم يعجبه.
من جهة أخرى كان جد والدي رجلاً منفتحاً ، سابق عصره كما قال عنه جيرانه البسطاء من فلاحي قريتنا، وقد اختار مقراً لأسرته تلةً صغيرةً تطل على سهل جبلة و ينكشف أمامها السهل الخصيب سكبة واحدة حتى البحر . هناك عمر بيته، وترك لمزاجه الشاعري أن يتحكم بحياته، وحكم على سلالته من بعده بالميل للشرود، و التماهي مع الطبيعة جيلاً بعد جيل…
ما زال منزل أهلي في قريتنا بنجارو يتمتع بحظٍ طيبٍ من العزلة، وما زال السهل بعد كل ما أصابه من فوضى عمرانية يمتد جميلاً ٱسراً ، غنياً بالخضرة وبالاحتمالات، ما زال النسيم الغربي إذ يهب يحرك اوتار الروح والقمر يزورنا في مساءاته الجميلة و يكدس من حولنا أغمار الفضة، وما زلنا قادرين على الجلوس شاردي الفكر أمام عظمة الجمال حتى يأذن الله بأن تنفتح بوابات الحديث بين بعضنا البعض…
كل هذا كما تعرف ، و يعرف السادة القراء، يغذي ذلك الميل الفطري الذي ورثناه عن أهلنا…بل ويعطي شرارة التوهج من حين لٱخر حين يمسك واحدنا بالقلم وتمتد أمامه صفحة بيضاء…
السؤال الثالث : نعم كما ذكرتم الآن؛ فقد كتبت المقالة الخدمية، والعلمية، والمقالة الأدبية وتلك التي تشبه الخاطرة أو اليوميات… كما كتبت القصة القصيرة والرواية…وأجد نفسي حقيقة في الرواية، لأن فضاء الرواية الواسع يسمح لي بالاستغراق في التفاصيل التي أعشقها، وبالتداعيات التي لا أستطيع إيقافها، وبالتالي يحررني من قيود الوقت، يعفيني من الحدّة والانضباطية الصارمة التي تحتاجها القصة القصيرة.
أما عن طبيعة هذا الانحياز … مؤكد هو ليس تعصباً لجنس أدبي دون آخر، فالأدب الجميل يأتيك جميلاً كيفما جاء…وليس انحيازياً للرواية أيضاً مغامرة قد تناسب غرورالكاتب حين ينجزروايته على امتداد أربعمئة صفحة مثلاً…إنما هو الشغف الشخصي بالتفاصيل، التدفق المحبب للخواطر ، والراحة التي تمنحني إياها كتابة الرواية بما يتناسب مع الشحنة العاطفية التي تدفعني للكتابة …
أحب القصة القصيرة جداً…وما زلت أكتب قصصاً قصيرة، لكنها فن ملتبس، بل ومخادع، قد يوقع الكاتب في الغواية قبل أن يصل إلى مبتغاه…
السؤال الرابع :
المكان … المكان… المكان … طالما سألت نفسي هل نحن ننتمي إلى الأمكنة أم هي التي تنتمي إلينا لأكتشف أننا نتواجد في أمكنة معينة ثم تمد تلك الامكنة جذورها فينا، في قلوبنا وأعصابنا، في ماضينا وحاضرنا، ولن تعجز في الوصول إلى غدنا.
وهذا يتوافق مع المقولة المعمارية الرائعة: « نحن نشكل عمارتنا لتعيد عمارتنا تشكيلنا من جديد» …..
بالنسبة لمدينة جبلة البلدة التي عشت فيها طفولتي وأول صباي لم تبارحني يوماً: و هي موجودة في كثير من قصصي ومقالاتي لكنها البطل الرئيسي في رواية بيت الأمتار الستين…امتد سحرها إلى قلوب كل الشخصيات، ساهمت بعمارتها وشوراعها وحاراتها القديمة وازقتها في تكوين ذائقتهم البصرية والسمعية والشمية أيضاً …كيف لذاك الجيل أن ينسى عربات الفول المسلوق تنشر أريجها في الشوراع، أو العربات المحملة بالذرة المسلوقة تدور من حي لآخر، يرافقها عند المغيب صوت أم كلثوم يصدح من خلال المسجلات المحمولة على العربات ومن خلال المحلات التجارية والمقاهي وكل بيوت المدينة…كيف لنا جميعاً أن ننسى ليلة العيد واطباق الحلوى المحضرة في البيوت ورائحة « ماء الزهر» تعشش أمام الافران وتضوع في ليل المدينة.
والحقيقة أن قدرة الإنسان على التأقلم لا يضاهيها سوى قدرته على الحنين…فمهما بعد المرء عن المكان الذي يحب لا يحتاج سوى زيارة حتى يحضر جبل من الذكريات يصعده بطيب خاطر ليشرف على ماضيه ويكتشف أن هذا الماضي موجود..لم يمضِ بعد.
السؤال الخامس : أعتقد أنني شخصياً أمام إشكالية كبيرة هنا أمام الحديث عن النقد ، وأعود تلقائياً لما ذكرته حينما تحدثت عن كيفية تقديم نفسي للقراء لأجد أن الصعوبة الأكبر واجهتني في تقديم أعمالي للنقاد . لقد كنت مقتنعة وما أزال أن على الكاتب أن يقرأ و يكتب فحسب، أما حكاية النقد، واضطراره لإرسال عمله إلى نقاد متخصصين، يفيدونه في تقديم عمله، وفي تقييمه ايضاً…فهذا مالم أحظ به في روايتي الأولى ولا في المجموعات القصصية، ومن جهتي فقد قصرت و لم أسعَ كما يتوجب علي. ربما استصعبت الأمر، وانتظرت وعوداً ما نفذت وأنا أعتقد أن هذه مهمة دار النشر أولاً قبل أن تكون مهمة الكاتب، وللأسف دور النشر في بلادنا لا تقوم بهذا الدور إلا إذا كانت هي الممولة لطباعة المنجز الأدبي وحتى هذا التمويل له حساباته المعقدة… ربما لعبت عدة عوامل دورها في تقصيري بمسألة عرض منجزاتي الأدبية أولها:
– العمر،لا أجد نفسي اليوم في عمر يساعدني على خوض المجاملات المطلوبة للنجاح في الإعلان عن العمل وعرضه على النقاد وغير ذلك.. هذه مهارات لا امتلكها.
– التكوين الشخصي، أيضاً استصعب أن أطلب من أحد أن يكتب عن رواية لي، لعلها آنفة لا تناسب قوانين العرض والطلب هذه الأيام و لم أحظَ بمن يدلني على طريق تنفعني وتسهل علي الأمر .
– والأهم من هذا كله أنني أكتب لأرتاح، أكتب لنفسي لأقول رأيي، أفرد مشاعري ، أشارك بها الناس وأنا مقتنعة بأنها جديرة بأن أشاركها مع الآخرين..
بالنسبة لرواية( العزيزة )الأمر مختلف قليلاً فقد كتب عنها نقاد مهمون في مقالات نشرت في الصحف السورية وهنا يطيب لي أن أشكر الأستاذ الدكتور صلاح صالح، الأديب الصحفي الأستاذ علي الراعي ، الأديب المهندس غسان كامل ونوس ، الأديب الصحفي الأستاذ ديب علي حسن… الذين قدموا قراءات نقدية لرواية « العزيزة « اعتز بها.
كما أشكر أصدقاء آخرين كانوا معي قبل طباعتها وبعد ذلك وقد نوهوا بها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، وعبر الصحافة المحلية والمركز الإذاعي والتلفزيوني في اللاذقية … لكننا نحتاج لشيء ٱخر ، لقوة دفع أكبر ، وأعتقد أن لدار النشر دوراً رئيسياً في هذا.
مؤكد تماماً أن كلّ كلمة جميلة قيلت في العزيزة أو غيرها من أعمالي دفعتني قدماً للأمام…وكلّ قراءة نقدية فتحت أمامي أفقاً جديداً…فشكراً جزيلاً للجميع.
ولا بدّ لي من توجيه الشكر الكبير للناقد الكبير الدكتور المهندس جودت هوشيار الذي قدم مشورته الطيبة بأسلوبه العلمي الرصين…
السؤال السادس :
سألتني عن رسالتي الثقافية والإبداعية والاجتماعية والإنسانية…يا للسؤال الصعب؟!
رسالتي ببساطة هي أن أقول ما أجده مناسباً للقول،و أن أعمل كل ما بوسعي لتحقيق إضافة متواضعة للحقيقة الاجتماعية التاريخية من خلال رواياتي، أن أدون بأسلوبي الخاص كل تفصيل جميل خلاق في محيطي، في مجتمعي…أظن كلّ هذه الأشياء التي نتحدث عنها مهددة بالضياع أو بالذوبان في بحر المعلومات المتدفقة لحظة بلحظة…يهمني أن أدون كلّ ما أعرفه لأحميه من النسيان…أخاف على هذا الكنز الهائل من الموروث الجمعي والخبرات المتوارثة والحكايات الجميلة وقصص العشق والأغاني و….من الضياع.
هذا طبعاً بالتوازي مع أن أعيش قناعاتي بلا تنازلات، أتمنى ألا تضطرني الحياة لأعيد النظر في أولوياتي مع أن هذا من طبيعة الأمور: أن يعيد المرء النظر في ترتيب أولوياته على أن يكون ذلك نتيجة إرادة حرة لا بحكم ظروف قاهرة …وكل هذا بأسلوب يمنح البهجة والمتعة لمن يقرأ. فالإمتاع شرط لم أتنازل عنه في كتاباتي كلها ابتداء من المقالة وحتى الرواية.
-كلمة أخيرة :
أرجو لنفسي ولغيري من الكتاب في سورية أن تحصل نقلة نوعية في طريقة التعاطي مع المنتج الإبداعي، أن يعود جمهورنا للقراءة… لاقتناء الكتاب.
صحيح أن أزمة القراءة عالمية لكنها في مجتمعنا تكاد لا توصف.
لابدّأن تأخذ الثقافة ما تستحق من دعم مجتمعي وحكومي…ولا أشك لحظة أن أزمة مجتمعاتنا العربية هي أزمة ثقافية بالمفهوم الواسع للثقافة وليست أزمة كتاب وكاتب فحسب…
ختاماً كلّ الشكر لكم أ. خالد، والشكر الكبير للقيمين على الملحق الثقافي الأسبوعي لجريدة الثورة…والشكر موصول للقراء الكرام على أمل لقاء جديد بعد إصدار روايتي الجديدة « رحلتي مع ديوان أبي»
ودمتم بألف خير
شكراً لك جزيلاً أديبتنا…الروائية زينب عز الدين الخير..
                            

العدد 1192 – 4 -6-2024       

آخر الأخبار
حوار جامع ومتعدد أرباحه 400%.. الفطر المحاري زراعة بسيطة تؤسس لمشروع بتكاليف منخفضة المحاصيل المروية في القنيطرة تأثرت بسبب نقص المياه الجوفية الخبير محمد لـ"الثورة": قياس أثر القانون على المواطن أولاً قوات الآندوف تقدم خمس محولات كهربائية لآبار القنيطرة إحصاء أضرار المزروعات بطرطوس.. وبرنامج وصل الكهرباء للزراعات المحمية تنسيق بين "الزراعة والكهرباء" بطرطوس لوقاية الزراعة المحمية من الصقيع ٥٥ ألف مريض في مستشفى اللاذقية الدوريات الأوروبية الإنتر وبرشلونة في الصدارة.. وويستهام يقدم هدية لليفر روبليف يُحلّق في الدوحة .. وأندرييفا بطلة دبي مركز متأخر لمضربنا في التصفيات الآسيوية هند ظاظا بطلة مهرجان النصر لكرة الطاولة القطيفة بطل ودية النصر للكرة الطائرة مقترحات لأهالي درعا لمؤتمر الحوار الوطني السوري "أنتم معنا".. جدارية بدرعا للمغيبين قسراً في معتقلات النظام البائد جيني اسبر بين "السبع" و"ليالي روكسي" هل نشهد ثنائية جديدة بين سلوت (ليفربول) وغوارديولا (مان سيتي)؟ مواجهة مرتقبة اليوم بين صلاح ومرموش تعادل إيجابي بين الأهلي والزمالك دراما البطولات (التجميلية)