الثورة – هفاف ميهوب:
يرى الفنان الأميركي «أوستن كليون»: «جميع الفنانين يتأثّرون بأعمالِ بعضهم، فلا شيء أصلي تماماً، وكلّ فكرةٍ جديدة، غالباً ما تكون مجرّد مزيجٍ، من فكرةٍ أو أفكار مستخدمة مسبقاً»..
إنه رأيه، وقد تبنّاه، بل ألهمته إياه، المقولة التي تُنسب للفنان العالمي «بابلو بيكاسو»: «الفنانُ الجيد ينسخ، والفنان العظيم يسرق»..
تبنّى «كليون» هذه المقولة، وهو يدرك تماماً، أن «بيكاسو» لم يكن يقصد، إلا التحريض على التعلّم والاستلهام، من تقنياتِ وإبداعات الآخرين، مثلما الاستفادة منها وتطويرها، وصولاً إلى التمكّن من وضع أفكارٍ خاصة، مثلما مهاراتٍ جديدة تجعل مبتكرها من المبدعين.
أما عن سبب تبنّي «كليون» لهذه المقولة، فشعوره بأن التحريض على التعلّم والابتكار، هو ما يحتاجه إنسان هذا العصر.. العصر الذي تحتشد فيه المعلومات، ويندرُ العمل الإبداعي الحقيقي، والذي تكثر فيه القيود والأزمات، ويضمحلُ الوعي والالهام والإبداع الأصيل والأصلي.
ها هو يستلهم من مقولة «بيكاسو» هذه، عنواناً لكتابه «اسرق مثل فنان».. الكتاب الذي قال عنه: «هذا الكتاب نتاج ما تعلّمته عبر عقودٍ عن صناعة الفنّ، وعندما بدأتُ مشاركة أفكاري علناً، اكتشفت شيئاً طريفاً، وهو أن هذه الأفكار ليست قاصرة على الفنانين، بل تصلح للجميع».
يتضمن هذا الكتاب أفكاراً بإمكان أي إنسان تطبيقها، للحصول على بعضِ ما يميّز عمله، ولو بشيءٍ من الإبداع.. أي أنه وكما قال عنه: «لك أنت، أيّا كنت، وأيّا كان عملك»..
إذاً، هي دعوة منه، لكلّ الذين يسعون للإبداع في أعمالهم، وسواء كانوا فنانين، أو كتّاب، أو رجال أعمال، أو أشخاص عاديين.. دعوة تشجعهم على التميّز وتطوير ذاتهم، مثلما إثبات جدواهم بطرقٍ جديدة ومحفّزة، ترتكز على أعمال مبدعين، اطلّعوا على أعمالهم.
هذا عمّا يحتويه الكتاب، أمّا عن فكرته الأساسية، فهي تقديم نصائح رأى «كليون» أن بإمكانها، مساعدة أيّ شخصٍ يرغب في التطوّر، ولاسيما الإبداعي والفني.
مثلاً:
«إن فكرة تخيّلك بأنّك جزء من سلالةٍ مبدعة، تقلّل من شعورك بالوحدة، عند البدءِ في صنعِ عملك الإبداعي الخاص.. أنا على سبيلِ المثال، أعلّق صوراً لفنانيّ المفضّلين، في الاستديو الخاص بي.. أشعر بهم كأشباحٍ ودودة تحومُ حولي. أكاد أحياناً أسمعهم يدعمونني، حين أشعر بالإحباط وأنا منحنٍ أمام مكتبي..».
إنها وجهة نظره التي جعلته يرى، أن كلّ من يقدّم لشخصٍ ما نصيحة، إنّما يخاطب نفسه في ماضيه.
من نصائحه أيضاً، وجميعها تدعو الإنسان، للاستفادة من كلّ ما يحيط به، من فنّ وجمالٍ وابتكار:
«كن فضوليّاً دائماً بشأن العالم حولك. ابحث عن كلّ الأشياء، وغُص أعمق مما غاص من سبقوك، فهذه هي الوسيلة الوحيدة لتبدأ»..
لا يكتفي «كليون» بتقديم نصائحه الخاصة، بل ويدعمها بنصائحٍ لفنانين ومبدعين مشهورين، يدعو قارئه من خلال آرائهم، إلى ما دعا إليه نفسه، عندما اعتبر أنه يستلهم منهم، لا يسرقَ عنهم:
«من الأفضل أن تأخذ فكرة ما ليست لك، بدلاً من تركها تغرقُ في مستنقعاتِ النسيان».
إنها نصيحة الأديب الأميركي الساخر «مارك توين». النصيحة التي ضمّها «كليون» لكتابه «اسرق مثل فنان».. ضمّ إلى هذا الكتاب أيضاً، آراء كُثر من عمالقة الفنّ والإبداع، ممن يدعمون النصيحة ذاتها، التي قال فيها المخرج الأميركي الشهير «فرانسيس فورد كوبولا»:
«نريدُ منك أن تأخذ منّا.. نريدك في البداية أن تسرقنا، ولأنك لا تعرف السرقة، ستأخذ ما سنعطيك إياه وستشكّله بطريقتك، إلى شيءٍ خاص بك، وبهذا ستجد هويّتك الفنيّة، وسيكون هذا بداية مشوارك، ويوماً ما سيسرق أحدهم منك»..
