الثورة – ديب علي حسن:
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول.
هي سطوة الموت وآجالنا تحرسنا إلى أن نصل إليها.. هكذا هو الموت الذي لا يمكن تجاوزه والخلود إلا بما نتركه من أثر وإبداع.. الإبداع في كل شيء.
في دائرة الرحيل نودع كل فترة مبدعاً من جيل الرواد الذين آثروا حياتنا الثقافية والإبداعية بكل ما هو جميل، ونمتلك الشجاعة لنقول: إننا مقصرون جميعاً تجاه بعض هؤلاء نصنع نجوماً خلبية ونترك الكواكب المتقدة.. في المشهد الثقافي العربي يبدو إخوتنا المصريون الأكثر قدرة على التفاعل والاحتفاء بمبدعيهم منا.
أذكر أنني كنت أتابع المطبوعات الورقية المصرية التي تصلنا، فما من مطبوعة منها تخلو من الحديث عن نجيب محفوظ أو توفيق الحكيم أو غيره.
بل سأقول أكثر: إن مطبوعة مصرية جمعت في ملف كبير بعضاً من أحاديث محفوظ وهو على مقربة من النهايات أحاديث غير متماسكة أبداً، وقد أشار من جمعها إلى ذلك، ولكنها توثيق جميل ومهم لمبدع كبير له بصمته في الحياة الثقافية العربية قبلنا بذلك أم لم نقبل.
هنا في المشهد الثقافي السوري، ذات يوم قال لي مبدع كبير قبل رحيله، وكنت أُجري حواراً معه قال: أنتم لا تتذكرون المبدع إلا بعد رحيله، تكتبون عنه بضعة مقالات وكفى.. قلت له: كسرنا القاعدة وها نحن الآن معك.. وكنا قبل مع سليمان العيسى وعفيف بهنسي ونادية الغزي وعبد الله عبد الدايم.
في دائرة الثقافة في صحيفة الثورة كان فريق العمل الذي نذر نفسه للتواصل مع الكتاب والمبدعين وكانت صفحة في منازلهم نذكر بكل الاعتزاز أسماء زملاء عملنا معاً (عمار النعمة، سعاد زاهر، فادية مصارع، هناء الدويري، غصون سليمان، نجلاء دنورة، قصي بدر، سوزان إبراهيم) وغيرهم… طرقنا أبواب المبدعين وتحاورنا معهم وهذا موثق ومنشور في صحيفة الثورة التي فتحت لنا باسمها الكبير طريق الحوار.
أمس في حديث مع الزميل عمار النعمة رئيس دائرة الثقافة.. سألته عن حال السيدة كوليت خوري التي أدخلت العناية المركزة.
الأديبة والمبدعة التي لا تحتاج شهادة أحد منا أبداً.. لها بصمتها التي لا تمحى مهما طال الزمن.
بعد السؤال صمت كأنه دهر.. أين الذين يجب أن يكتبوا عنها عن مبدعينا.. لماذا لم نر عشرات المقالات وهي التي تستحق مجلدات..؟
هل ننتظر رحيلها- أمد الله بعمرها وعافاها- حتى نكتب لأيام ثم نطوي الصفحة؟
في العالم كله يحتفون بالمبدعين.. سواء التقوا معهم أم لم يلتقوا..
هل نذكر بما يقوم به الإعلام الغربي الثقافي وحتى السياسي تجاه مبدعيهم (الراحلون والاحياء).
لن أقول إننا في الكثير من الأحيان نرجم من هم بيننا من المبدعين الأحياء ونذرف دموع الوداع عليهم حين رحيلهم لبضع دقائق.
كلنا مقصرون من وزارة الثقافة التي انكفأت ولم نشعر أنها تفعل شيئاً.
أما اتحاد الكتاب العرب وهو الأكثر فاعلية الآن في المشهد الثقافي والأكثر نشاطاً يقوم بدور مهم تفاعلي نتابعه من خلال تواصل مكتبه مع المبدعين وزيارتهم ورعاية أمورهم حسب القدرة المتاحة، واستكمالا لهذا الدور نتمنى عليه أن يعود إلى تكريس مطبوعات تحتفي بقامات فكرية وإبداعية.
أما وزارة الإعلام واتحاد الصحفيين فهما خارج السرب تماماً.
أيها السادة: في وزارة الثقافة والإعلام واتحاد الكتاب والصحفيين ومن يعنيه الأمر، لدينا قامات كبيرة ومهمة كرموها الآن هل نذكر (عبد الكريم الناعم، محمود الربداوي، محمود السيد، مازن المبارك، علي سليمان، عبد النبي اصطيف، نادية الغزي، صالحة سنقر، وهب رومية، محمد رضوان الداية، جمال شحيد، حسين جمعة، عيسى فتوح) القائمة كبيرة جداً وكل مبدع في بلدي يستحق التكريم فأكاليل الورد لا تنفع فوق الأضرحة من احتاجوا ثمن الدواء ولم يجدوه.. كونوا معهم حسب الاستطاعة.
لا نريد أن نقيم ندوات استعراضية في أربعينات من يرحل تظهر فيها مواهب الخطابة التي لا تطعم خبزاً.. هل علينا أن نقول أن البعض لايصبح ذا قيمة إلا بعد أن يرحل أو أن يتم تكريسه من الخارج..؟
وبالمناسبة لسنا في العمل الصحفي الثقافي أقل مسؤولية من غيرنا أبداً إذ يتنطح للمتابعة نسخاً ولصقاً من لا يعرف ألف باء الثقافة، ولم يقرأ ثلاثة كتب ولم يلتق كاتبا أو مبدعاً.
ومع ذلك علي ثانية وثالثة أن أقول: إننا في صحيفة الثورة فعلنا ونفعل ما علينا، ونذكر أننا احتفينا بقامات مثل (فاخر عاقل، عمر الدقاق، قتيبة الشهابي، سليمان العيسى، ملكة أبيض صباح قباني، عزيز شكري، عبد الله عبد الدائم، حليم بركات، سهيل زكار، حنا مينة، حيدر حيدر وغيرهم) ونأمل أن نكون دائماً قادرين على المتابعة.
