الحرب العالمية الثالثة، فيلمٌ لم ينصفه النقاد

الملحق الثقافي- سامر خالد منصور:
لعل من أقرب الأفلام إلى المُتلقي هي تلك التي ترصد المتناقضات في المجتمع العربي معتمدةً أسلوب المفارقة ضمن قالب كوميدي، ولا يخفى على أحد أن تلك المتناقضات ساهمت في الصراع الدموي الذي غذته دولٌ أجنبية في مَعرض خدمة
أجنداتها في المنطقة العربية .. وكمثالٍ على تلك الأفلام سنتناول فيلم ( الحرب العالمية الثالثة ) وهو من بطولة أحمد فهمي، إخراج أحمد الجندي مُقتبسٌ عن سلسلة أفلام ( ليلة في المتحف ) الأميركية ولكنه جاء أهم بمراحل حيث أنه تضمن رسائل
عدَّة خلافاً للفيلم الأميركي الذي اعتمد على الكوميديا الخفيفة والإبهار البصري والبهرجة في الإخراج السينمائي.
يتحدث فيلم الحرب العالمية الثالثة عن شاب مصري اسمه خميس يدخل مصادفةً إلى المتحف الوطني في يوم عطلة ويُدهش حين يرى تماثيل الشمع وقد دبَّت فيها الحياة وأخذت تتحرك وتتحدث، يكون ذلك جراء تعويذة سحرية مُلقاة عليها.
كل تمثال يُمثّل شخصية كان لها أثرها في التاريخ المصري وتاريخ المنطقة (الفرعون توت عنخ آمون، صلاح الدين، توفيق الحكيم، أحمد عُرابي.. إلخ ).
وبعضها يمثل شخصيات خيالية كـ (علاء الدين ومارد المصباح) .. لم يكن استحضار كل تلك الشخصيات من قبيل الحشد المجاني والفنتازيا لأجل الفنتازيا بل تم استثمار تلك الشخصيات في تعزيز رسالة الفيلم، حتى تلك الشخصيات الخيالية
التي شكلَّت في مرحلة ما، محوراً في المُتراكم التراثي للمنطقة وفي الوعي الجمعي المصري.
يبدو جليّاً جهل الشاب خميس بالرموز التاريخية الوطنية المصرية والعربية بينما يعرف الكثير عن كرة القدم ورموزها مثلاً، مما يشكل مفارقة، ويبدو حضور الشخصيات في المتحف مُعادلاً موضوعياً لحضورها في الوعي الشعبي المصري الحالي فتلك الشخصيات التي في المتحف، تمثل خلطة عجيبة بين الماضي الجليل والواقع الكاريكاتوري، فتمثال أبو الهول والذي يُحكى عنه في بعض الأساطير أنه كان يطرح الألغاز على العابرين أمامه، ظهر في الفيلم ثرثاراً يستلذ بالوشاية واللغو ولعله كان يرمز في الفيلم إلى سماسرة مصر وهو لا يُمانع بإلحاق الأذى بمن حوله مقابل منافع شخصية.
حتى علاء الدين لم يَعد يُجديه مارد المصباح بعد أن تقادم الزمن عليه وهو في هذا المكان حيث الفقر والعوز، فقرر علاء الدين الطموح أن يستبدل المصباح بـالفي ليهاجر إلى بلاد الفُرص وفي سبيل خلاصه الفردي يتعرض علاء الدين للاحتيال ويذهب إلى المطار بوثيقة سفر مزورة.
هذه المفارقات ابتداءً من المارد العاجز وعلاء الدين الذي يأخذ صفة المفعول به وصولاً إلى ياسمين التي تجسد; المرأة الشرقية والتي لم يُتح لها الصانع المصري سوى أن تكون نصف ( تمثال / نصف إنسان ! ) بالإضافة إلى صلاح الدين الذي ينفصل رأس تمثاله الشمعي عن جسده فيحمل البطل الرأس إلى مكانٍ آمن، ولكن ما أن يشرع رأس صلاح الدين، الذي يرمز إلى ذهنية الإباء و الكرامة والشجاعة، ما أن يشرع بالحديث، حتى يتجاهله بطل الفيلم وكأن القضايا القومية والسيادية العربية لم تعد تهمُّ المواطن المُفقر المُهمش في شيء ! ، حتى أن رأس صلاح الدين ذاب بسبب انشغال البطل بشؤونه الخاصة ، وكأن في ذلك كناية عن اضمحلال هذا الفكر في الشارع المصري في ظل عدم قدرة الفرد على تحصيل حقوقه في معيشة لائقة فما بالنا بالآمال الكبرى.
تظهر جُل شخصيات فيلم ( الحرب العالميَّة التالتة ) الذي صدر عام 2014 م، ضحيَّة للواقع المصري، وللتوجهات المادية التي تنشد المنفعة الشخصية أيّاً كان الثمن، ثم تُوحدها المُعاناة والخطر الوجودي في نهاية الفيلم فتعود إلى جوهرها
وإلى التصرف كمجتمع وليس كتجمّع.
لكن فكرة التواشج الاجتماعي في حال الخطر الوجودي فقط، هي فكرة قديمة لا تُنتج مجتمعاً يتصف نهجه التقدمي بالاستدامة، لأن المخاوف توحّد أي نوع من الكائنات إلى حين، وتجمعهم في سِرب على سبيل المثال، أما البشر فهم أصحاب
عقل ورؤية وبالتالي يجب ألّا يتواشجوا عند المخاوف فقط، فالمجتمعات الأكثر تطوراً باعتقادي هي التي توحدها الآمال والتطلعات لا المخاوف.
إن مصر هذا العصر وفق رؤية كُتاب الفيلم (أحمد فهمي – شيكو – هشام ماجد ) لم تعد بلاد الشخصيات الفريدة المؤثرة بقوة في محيطها العربي و على المستوى الحضاري العالمي، وتجلّى ذلك في جعل كثير من الشخصيات المصرية الشهيرة التي نراها
في المتحف; أقرب إلى شخصية الفهلوي الحاذق المراوغ الذي ينشد مصلحته قبل كل شيء وهي الشخصية التي تُكرِّسها السينما المصرية عبر ما يعرف بالبطل الفتوّة والفلتة والحربوء وكون كلمة; فلتة من الانفلات فأنا أجدها واخزة ومَذمّة برغم اعتياد العامة عليها .
لا بطولة في الفيلم ، بمعنى وجود بطل خيّر تقوده الأَثرة لصيانة مصالح الجماعة أو الدفاع عن فكرة نبيلة بناءة.
الماضي بات محض أيديولوجيا محشوة فينا تزيدنا شوفينيِّة بينما نحن أشبه بتماثيل شمع منا بالإنسان مكتمل الإنسانية وقد سمحنا للفهلوة; والحلول العُنفيّة أن تحلَّ محلَّ الشهامة والبطولة وسمحنا للحنكة وقنص الفرص أن يحلَّ محلَّ الكفاح
والاجتهاد.
جاءت الحوارات رشيقةً بين أبطال الفيلم مما شكل مُفارقة أضافت لقيمته، كما جاء الانتقال بين الشخصيات التاريخية وصهرها في بوتقة الحدث رغم تباين المراحل الزمانية والثقافات التي تنتمي إليها، مُوفقاً، فقد تمتعت بالحضور الذي جسَّدَ ثقافتها و مرجعياتها الأيديولوجية وبالإضافة إلى ذلك جاءت بذهنية مُعاصرة تُعبّر عن الانحدار في القيم وعدم امتلاك رؤى، وضيق في المنظور ليقتصر على المنفعة الشخصية بعيداً عن الطموحات الكبيرة المُتجاوزة بكونها بنّاءة أيضاً على الصعيد الجمعي.
تقود أحداث الفيلم إلى تبيان مِقدار سوء فكرة الخلاص الفردي و يتم بث روح الجماعة بين الشخصيات المصرية والعربية بحيث يتحدون ضد خطر مصدره تماثيل لطغاة كـ هتلر وهولاكو و ريّا وسكينة وأبو لهب ودراكولا، وهم يرمزون باعتقادي بحسب ترتيب الأسماء التي ذكرتها ، إلى خطورة الغزاة والمختلين من أبناء المجتمع الجشعين و المتعصبين الماضويين و الخرافات.
صنعت هذه التماثيل مديرة المتحف هويدا والتي أدت دورها الممثلة إنعام سالوسة وهي تجسد امرأة غير سوية حاقدة على العالم .
لعل هذا الفيلم من أفلام الفنتازيا العربية النادرة التي تستدعي بزخم شخصيات من الموروث العربي دون أن تقدم الصراع الكلاسيكي بين الخير والشر، بل لتكون الدائرة الرمادية التي تتأرجح بين السواد والبياض، هي مساحة حركة إرادة وسلوك
الشخصيات الرئيسة..هذا الفيلم باختصار علامة فارقة في تاريخ السينما المصريّة.
                         

العدد 1193 – 11 -6-2024      

آخر الأخبار
حوار جامع ومتعدد أرباحه 400%.. الفطر المحاري زراعة بسيطة تؤسس لمشروع بتكاليف منخفضة المحاصيل المروية في القنيطرة تأثرت بسبب نقص المياه الجوفية الخبير محمد لـ"الثورة": قياس أثر القانون على المواطن أولاً قوات الآندوف تقدم خمس محولات كهربائية لآبار القنيطرة إحصاء أضرار المزروعات بطرطوس.. وبرنامج وصل الكهرباء للزراعات المحمية تنسيق بين "الزراعة والكهرباء" بطرطوس لوقاية الزراعة المحمية من الصقيع ٥٥ ألف مريض في مستشفى اللاذقية الدوريات الأوروبية الإنتر وبرشلونة في الصدارة.. وويستهام يقدم هدية لليفر روبليف يُحلّق في الدوحة .. وأندرييفا بطلة دبي مركز متأخر لمضربنا في التصفيات الآسيوية هند ظاظا بطلة مهرجان النصر لكرة الطاولة القطيفة بطل ودية النصر للكرة الطائرة مقترحات لأهالي درعا لمؤتمر الحوار الوطني السوري "أنتم معنا".. جدارية بدرعا للمغيبين قسراً في معتقلات النظام البائد جيني اسبر بين "السبع" و"ليالي روكسي" هل نشهد ثنائية جديدة بين سلوت (ليفربول) وغوارديولا (مان سيتي)؟ مواجهة مرتقبة اليوم بين صلاح ومرموش تعادل إيجابي بين الأهلي والزمالك دراما البطولات (التجميلية)